التجاهل هو الحل!
شاهدت، كما شاهد غيري، ذلك الاحتفال الغبي لياسر الحبيب وصحبه بذكرى وفاة السيدة عائشة أم المؤمنين وزوجة الرسول عليه الصلاة والسلام، وتساءلت: أي هبل، وأي سذاجة، وأي حماقة، وأي نفس مريضة تجعل إنساناً يحمل كل هذا الحقد والغل لإنسانة توفيت قبل 1400 عام واختصها القرآن الكريم بآية البراءة من الإفك، وجعلها -كبقية زوجات النبي- أماً للمؤمنين في آية أخرى، أي أماً لياسر الحبيب وشلته الذين يزعمون أنهم يؤمنون بالله ورسوله... ويشتمون ويسبون ويطعنون في الوقت ذاته في أمهم التي اختارها لهم الله من فوق سبع سماوات!ولا تسأل عن الفائدة من احتفال "عبيط" كهذا، فلا فائدة ولا عائدة تذكر!
هو مجرد عمل متطرف كبقية أعمال المتطرفين، قام به معتوه لا يرى إلا السواد في الآخر الذي يعاديه، يكرهك، فيكره أبيك وأمك وأصلك وفصلك ولونك وعشيرتك ودينك ومذهبك، ويمقت كل ما حولك وفوقك وتحتك، لأنك أنت الشيطان في عينيه، والعدو في قلبه، ولا حياة له إلّا على جثتك، وجثة من توالي ومن تحب، وسواء عنده أكان من تحب وتوالي يعيش اليوم معك وحولك، أو توفاه الله منذ آلاف السنين... فهو عدوه بالتبعية إلى آخر الزمان!والأمر ليس بجديد على "ياسر" هذا، فهذا دأبه منذ أعوام، وقال من قبل، وسيقول من بعد، ما هو أشنع وأوقح، ولعلكم تذكرون في الانتخابات البرلمانية الماضية حين أوصى مريديه وأتباعه بعدم التصويت في الانتخابات للنائب الحالي والمرشح السابق د. يوسف الزلزلة، لقوله في لقاء تلفزيوني عبارة "رضي الله عنه" بعد ذكره لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ورجل يفكر بهذه الطريقة، يحمل في رأسه خواءً يكفي لاستيعاب كل قذارات التفكير المنحط والجاهل عند بني الإنسان منذ فجر التاريخ حتى اليوم، فلا عجب ممّا قاله عن السيدة عائشة... بل العجب ألّا يقوله!رغم هذا... لا أرى أن مشكلتنا الحقيقية في هذا المعتوه، ولا في ما قاله، فهو مهما بلغ من السوء وقلة الأدب، لا يعادل ذرة ممّا يقال كل يوم في غرف "البالتوك" الدينية، الشيعية والسنّية على السواء، من تبادل للشتائم وإهانة للمقدسات الدينية من قِبَل المتطرفين من الفئتين، ومن لا يصدقني فليدخل ويجرب ويشوف، وحينها سيجد العشرات من أشباه ياسر هذا، بل أسوأ منه بمراحل، لكن، لأنهم يتكلمون في غرف لا يتجاوز عدد زائريها المئات في أفضل الأحوال، لا يعلم أحد عنهم أو عن قذاراتهم التي ينطقون بها، ولم تقُم لأي منهم أي "هليلة" أو حفلة زار سياسي كالتي أقيمت لياسر الحبيب من قِبَل بعض نواب الأمة الذين يبحثون عن الإثارة لتتصدر تصريحاتهم صحف الفتنة التي تبحث عن أي "مانشيت" مثير دون أن تكترث لأثره الاجتماعي والسياسي والأمني على الوطن والمواطن!وتطور الأمر... وبدأت "حرب الجناسي" على خلفية الحادثة... نائب يقول: "اسحبوا جنسيته"! آخر يرد: "اسحبوا جنسية عثمان الخميس معه"! ثالث يتدخل: "اشمعنى سحبتوا جنسية سليمان أبوغيث"!.. ولا تسأل أحداً من هؤلاء "العباقرة" الذين يفترض أنهم يشرعون القوانين عن دخل الجنسية واستحقاقها في أمر كهذا، فهؤلاء قوم "لا يعرفون... وين الله حاطهم"! ولم تكَد تلك الحرب تنتهي حتى بدأت حرب أخرى عنوانها التشكيك في إسلام فئة طويلة عريضة من المسلمين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، لأن واحداً منهم تلفّظ بما هو غير مقبول وغير معقول، و"اشتغل" التعميم الساذج... "كلهم هكذا... وكلهم يقولون قوله"، هكذا... "خبط لزق"!مشكلتنا أننا "نعمل من الحبّة قبة"، ولا أعني هنا أن ما فعله "الحبيب" أمر هيّن، فهو ليس هيّناً بالتأكيد، لكنه يبقى عملاً فردياً يخصه ويخص من شارك معه، وعليه، يجب أن يكون التصرف معه وحده، ومن خلال نصوص القانون -في حال أتيح للدولة فرصة جلبه ومحاكمته- ومن الخطأ الكبير أن نحول تفاهاته التي نطق بها إلى موضوع الساعة كي يتبادل "أطفال السياسة" التراشق بينهم، فئة باسم الدفاع عن الشيعة... وأخرى بدعوى الثأر لكرامة السنّة!ياسر وأمثاله، باحثون عن الشهرة، طامحون إليها، ولذلك فإن أفضل ما يمكن عمله هو تجاهلهم إعلاميا، وترك القضاء ليقوم بعمله معهم، وهو واجب الحكومة التي كان عليها من البداية طمأنة الجميع إلى أنها ستبذل جهدها من أجل جلبه ليحاكم ويأخذ جزاءه، ولو فعلت ذلك من البداية، لما رأينا هذا التشنج والعراك المعتاد بين لحية هنا ولحية هناك... وصلعة هنا وعمامة هناك!الشاعر يقول:لو أن كل كلب عوى ألقمته حجراً ... لأصبح الصخر مثقالاً بدينار!فلنوفر أحجارنا لأمر آخر، لأن الكلاب لن تتوقف عن العواء، والأفضل ان نتجاهلها ونمضي، لا أن نجلس لنتجادل، وربما نتقاتل، بسبب ما جاء في عوائها من معان وغايات!