سورية والتغيير
من الواضح أن الحراك الشعبي العربي قد بدأ يصنع أسساً لوتيرة المنظومة الدولية، وبالذات ما يتعلق منها بحقوق الإنسان.
فإذا استثنينا حالة الضياع والارتباك الدولية في كيفية المعالجة السياسية والعسكرية لتداعيات تطورات الربيع العربي، من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى البحرين إلى سورية وغيرها، خرجنا بمحصلة لوحة سيريالية لن نتمكن من فهمها، بل لن يفهمها حتى الفاعلون فيها، فنجدهم يقدمون خطوة هنا ويتراجعون خطوات هناك.إلا أنه في خضم الضياع الأمني والسياسي، فإن تطوراً ملحوظاً في المسار الحقوقي آخذ في التشكل والرسوخ. فلأول مرة يتم طرد دولة من عضوية مجلس حقوق الإنسان من خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكذلك لأول مرة يقوم مجلس الأمن بالإجماع بإحالة ليبيا إلى المدعي الجنائي الدولي، والذي من المقرر أن يستكمل تحقيقه قريباً وبالتالي إعداد صحيفة الاتهام لتقديمها للمحكمة الجنائية الدولية. وكنت قد أشرت منذ فترة إلى مصادفة تقدم سورية لعضوية مجلس حقوق الإنسان وأنه بات ضرورياً أن تسحب طلب عضويتها، والتي كان سيبت في انتخابها يوم العشرين من مايو الجاري، وهكذا كان. فبعد حملة دولية شنتها منظمات دولية غير حكومية بهذا الاتجاه اضطر النظام السوري إلى سحب ترشيحه، وكلنا أمل أنه عندما تتقدم سورية بطلب ترشيحها في المستقبل القريب تكون سورية غير التي نعرفها الآن، سورية ديمقراطية، تحترم فيها كرامة الإنسان، ولا يحتاج الناس فيها لأن يتظاهروا وشعارهم «ما في خوف بعد اليوم». بالطبع الأمر لن يكون سهلاً، ولكن من كان لا يصدق التغيرات التي جرت منذ يناير فعليه أن يقبل على الأقل باحتمالية التغير. وعلى إثر انسحاب سورية تم الاتفاق على أن تحل الكويت محلها لسبب بسيط وهو أن ترتيبها بموجب آلية الانتخابات الأممية كان مقرراً أنه بعدسورية، وهي آلية انتخابات محكومة جغرافياً لا إنسانياً للأسف.ومع تحفظنا وانتقادنا الحاد للآلية الدولية البطيئة والانتقائية أحياناً في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان في العالم، إلا أن الربيع العربي وجدناه يسهم في تطوير المنظومة وإرساء مبادئ جديدة، لعلها تترسخ وتستمر وبموجبها يتحقق للعالم محاسبة الدول المجرمة بحق الإنسانية من الخليج العربي إلى خليج الخنازير.