تساءل الخبير الاقتصادي إيان بريمر رئيس مجموعة يورآسيا ومؤلف كتاب نهاية الاقتصاد الحر إن كان باستطاعة العالم تجنب المزيد من المصاعب الاقتصادية، بعد مواجهته لثلاث موجات من الأزمة خلال السنتين الماضيتين.

Ad

واعتبر في مقال له بمجلة فورين بوليسي أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو نظام اقتصادي جديد بعد انهيار الأسواق والاضطراب المالي العامين الفائتين, مشيرا إلى أنه بمحاذاة ذلك سيواجه العالم طريقا مليئا بالمطبات.

وأشار إلى أن الأزمة تتخذ أشكال موجات متكررة يتم بموجبها فحص قدرة وإرادة قوى العالم ومعها النجوم الصاعدة على بناء موقف بخصوص أكبر مشاكل العالم التي يعاني منها بمختلف قومياته.

 

الموجة الأولى

حدد الكاتب بدء الموجة الأولى للأزمة الاقتصادية حينما انهار بنك ليمان برذرز الأميركي في سبتمبر 2008، واستمرت حتى عقد قمة العشرين بلندن في أبريل 2009 حينما اعترف زعماء البلدان المتقدمة والبلدان الصاعدة بأن النظام المالي العالمي يتهدده خطر قاتل مهلك. وبرهن زعماء العشرين في لندن على إمكانية الوصول لإجماع دولي, على الأقل في الحالات التي يشعر فيها كل طرف بأنه يتعرض لنفس التهديد. وتحرك زعماء العالم على الأثر بسرعة كبيرة معتمدين خطط حفز اقتصادي وخطط تقشف، كما سعى زعماء دول العالم للتوصل إلى اتفاقيات دولية لإصلاح النظام المالي العالمي القائم.

الموجة الثانية

أما الموجة الثانية للأزمة فقد بدأت وفق بريمر بإعلان المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري سامرز في ديسمبر 2009 أن الكساد في الاقتصاد الأميركي انتهى.

وإن كان سامرز على حق من الناحية الفنية, حيث استأنف الاقتصاد الأميركي نموه ولكن بوتيرة بطيئة، أما من الناحية السياسية فقد خلق لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مشاكل جديدة، حيث إن تبديد المخاوف أضعف الحاجة إلى الوحدة على الساحة الدولية، وفتح المنافسة بين الدول على مصراعيها.

وعندما اتضح في عام 2010 أن الاقتصادات المتقدمة لن تنهض بسرعة, بدأ الناخبون يقلبون ظهر المجن لزعمائهم, فالناخبون اليابانيون الذين أطاحوا بالحزب الليبرالي الديمقراطي في 2009 بعد استمراره في الحكم لأكثر من نصف قرن, عاقبوا الحزب الذي حل محله وأخذوا يعربون عن امتعاضهم للسياسات التي يتبعها.

أما في أوروبا فقد أبعدت الإجراءات الطارئة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي في مواجهة أزمة الديون السيادية، اليونان وإسبانيا وغيرهما من الاقتصاديات الأوروبية الضعيفة عن حافة العجز عن تسديد الديون، ولكن بثمن سياسي عال، وفرضت إجراءات تقشف قاسية مما جعل الشعوب الأوروبية تتذمر وتعرب عن ذلك باحتجاجات وإضرابات.

وفي مايو الماضي أدار الناخبون البريطانيون ظهرهم لرئيس الوزراء غوردون براون, أما في ألمانيا فقد تعرض حزب المستشارة أنجيلا ميركل المسيحي الديمقراطي لهزيمة في أكبر ولاية ألمانية من حيث عدد السكان.

وفي أميركا بعد أن كان الديمقراطيون مسيطرين على مجلسي الشيوخ والنواب بالإضافة للبيت الأبيض، مني الحزب بخسارة كبرى في الانتخابات النصفية في نوفمبر الماضي.

في هذه الأثناء, نهضت الأسواق الناشئة من كبوتها مما زاد من اضطراب النظام السياسي العالمي, وكانت الصين هي الرائدة في هذا المضمار يضاف إليها بنسب أقل كل من الهند وإندونيسيا والبرازيل وتركيا وغيرها من الاقتصاديات الجديدة.

وأدت الظروف الجديدة لتأثر ميزان القوى في السياسات الدولية فانتقلت القوة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى إلى مجموعة العشرين، لتصبح المركز الجديد للهيمنة العالمية.

الموجة الثالثة

أما الموجة الثالثة من الأزمة فقد حصلت وفق الكاتب هذا العام عندما حذر مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس في الاجتماع السنوي للصندوق من أن الحكومات بدأت في استعمال عملاتها كأسلحة في التنافس التجاري في ما بينها في إشارة لحرب العملات.

ومن جانبه، حذر رئيس البنك الدولي روبرت زوليك من أن جولة من الإجراءات الحمائية قد تعود بالعالم إلى الأزمة في ثلاثينيات القرن الماضي.

وأخذت الولايات المتحدة وأوروبا في ممارسة ضغوط على الصين لزيادة قيمة اليوان، وردت الصين ردا دبلوماسيا بالقول "اهتموا بحل مشاكلكم".

غير أنه من المستبعد العودة بالعالم لما كان عليه الوضع في الثلاثينيات حيث تسعى معظم الدول لتحقيق المكاسب من الاقتصاد العالمي وليس تدميره، وعليه فقد حان الوقت أمام القوى الكبرى للانطلاق للعمل والتعاون مع الدول الصاعدة للوصول بالنهاية لنظام عالمي جديد يأخذ في اعتباره المتغيرات الطارئة وتوزيع القوى وإلا فإن على العالم مواجهة موجة رابعة من الأزمة ستكون الأسوأ.

* إيان بريمر | Ian Bremmer