غسيلنا المنشور فضائياً!

نشر في 07-11-2010
آخر تحديث 07-11-2010 | 00:01
 د. ساجد العبدلي هذه القنوات الرديئة، هي أس من أسس البلاء الذي أصاب بلادنا، فهذه المسيرة الإعلامية العاجزة حتى عن التمييز ما بين دور القناة المحلية المحدودة ووظيفتها وطبيعتها، والقناة الفضائية التي تشاهدها كل الدنيا، هي سبب رئيس من أسباب هذا الوضع المأساوي الذي وصلت إليه البلاد على كل مستويات التنمية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

عصر الخميس الماضي، تصادف أن كنت في صالة مرفق عام كان فيها تلفاز معلق على الجدار، وكان يبث ساعتها برنامجا لإحدى القنوات «الكويتية» الفضائية بالصورة فقط، حيث كان الصوت مكتوما تماما، فلفت انتباهي انفعال مقدم البرنامج الواضح، حيث كانت دموعه تفيض من عينيه وتسيل على خديه بشكل غريب، مما دفعني لأن أطلب من الموظف الموجود حينها أن يرفع من درجة الصوت لأعرف ما الحكاية، وإذا به يبكي وهو يتحدث عن حال الكويت وفوضاها الضاربة!

في الحقيقة، لم يسبق لي أن شاهدت شخصا يبكي بهذه الطريقة في التلفاز، إلا في المسلسلات والأفلام، حيث تكون الدموع صناعية مختلقة، ولكن يبدو أن هذا الأمر سيتغير من الآن فصاعدا، فقد دخل مذيعو الفضائيات الكويتية على الخط!

لا يحصل هذا إلا في الكويت... فلا توجد بلاد يبكي مذيعوها على الهواء مباشرة، وفي القنوات الفضائية، إلا الكويت... ولا توجد دولة يسيء مذيعوها، بل يشتمون، ساستها ورجالاتها وعوائلها، على طريقة صعاليك الأزقة الخلفية، على الهواء مباشرة وفي القنوات الفضائية، إلا في الكويت... ولا توجد دولة يتم تحطيم قنواتها الفضائية بعد ذلك، وبث أخبار الحدث في اليوتيوب، وعلى أشرطة الشاشات المظلمة السوداء إلا الكويت! ولا يوجد ولا يوجد، من مثل هذا، إلا في الكويت! فابتسموا، وافرحوا، إن كان يحق الفرح على شيء من مثل هذا، فإن قنواتنا الفضائية اليوم تصنع تاريخا أيها السيدات والسادة... لكنه تاريخ أسود ملوث وللأسف!

لست أطالب بالحجر على ما يريد الناس قوله، ولا بقمع حريتهم في التعبير، كما يحلو للبعض أن يتصور، أو أن يلوي عنق الحكاية نحوه، ولكنني أتحدث فحسب عن أخلاقيات مهنة الإعلام، وأدبياتها، ومعاييرها التي ذبحت جميعها وأريق دمها على مذبح ما سمي زوراً وبهتاناً بالديمقراطية، والحرية والانفتاح الإعلامي!

بعض من أعرف يعيش نظرية أن ما يحصل من فوضى، هو بفعل فاعل، وأنها سلسلة مقصودة من الأحداث، على طريقة ما يسمى بالفوضى الخلاقة، لكنني لا أرى الأمر كذلك، بل هي «فوضى خلاطة»، بكل ما يحمله هذا المصطلح من معنى. إنه انفلات خرج عن سيطرة كل من قد يظن أنه يملك السيطرة... فوضى خلطت كل شيء في كل شيء، حتى صارت كل الألوان سواء، فلا فرق بين الأسود والأبيض، ولا تمييز بين النور والظلام!

وهذه القنوات الرديئة، ولا أشك في هذا لحظة، هي أس من أسس البلاء الذي أصاب بلادنا، فهذه المسيرة الإعلامية العاجزة حتى عن التمييز ما بين دور القناة المحلية المحدودة ووظيفتها وطبيعتها، والقناة الفضائية التي تشاهدها كل الدنيا، هي سبب رئيس من أسباب هذا الوضع المأساوي الذي وصلت إليه البلاد على كل مستويات التنمية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

كلي أمل أن يدرك صناع القرار في بلادنا هذه الحقيقة، وأن يتوقفوا عن اللعب بهذه النار، وأن يوقفوا هذه المهزلة السقيمة المستمرة، قبل أن تحرق النار كل شيء.

back to top