لا يستطيع حتى ساحرٌ يملك عصا كعصا موسى، التي تحولت إلى أفعى ابتلعت كل عصيِّ سحرة مصر الذين تحولت عصيهم إلى أفاعٍ بعد لمسات سحرية متقنة، أن يقرأ هذا الواقع العربي المتداخل والمتشابك، فهناك استئناف المفاوضات المباشرة بين "أبو مازن" ونتنياهو، التي كلما سادت قناعة بأنها أصبحت في متناول اليد اتضح أنها لا تزال أبعد من نجم في طريق التبانة، وهناك الوضع العراقي الذي "قَرِفهُ" أهله أكثر مما قَرِفهُ المراقبون عن بعد، وهناك "أفعى" حسن نصرالله التي ألقى بها لتلتهم المحكمة الدولية، وهناك انفصال جنوب السودان الذي أُعطي ثمناً للذين استهدفوا البشير كي يغلقوا مسرحية دارفور ومسرحية استدعاء الرئيس السوداني للعدالة الدولية.

Ad

ماذا يفعل العرب الذين لا تزال قلوبهم تنبض ببعض دماء العروبة وهم يرون كل هذه الويلات وهي تهاجم أوطانهم الممتدة من الشام لبغدان، ومن نجد إلى يمنٍ إلى مصرٍ فتطوان... هل يشدون شعْر رؤوسهم أم يمزقون أثوابهم ويقدّونها من قُبلٍ ومن دُبُرٍ؟!

المثل القديم يقول: "الآباء يأكلون الحُصْرم والأبناء يضرسون" وهذا ما يحصل الآن، حيث إن أبناء هذا الجيل قد ورثوا عن آبائهم وأجدادهم تركة ثقيلة، لقد ورثوا وطناً ممزقاً طالما تغنى به السابقون واللاحقون حتى بُحَّت حناجرهم وورثوا أنماط حكمٍ معظمها لا يصلح إلا لما قبل العصور الوسطى بألف عام، وورثوا كلَّ هذا التذيُّل للأقوى منهم، إنْ في الإقليم وإنْ في العالم بأسره، كما ورثوا مِنْ بينهم مَن يحاول الوقوف على رؤوس أصابع قدميه كي يبدو أطول من قامته الحقيقة، والشاعر البدوي يقول: "أبو الحصين أَشْرف على راس عالي والنِّمر وكَّرْ وإلْبدْ السَّبع والذِّيبْ"!!

عندما تستسلم الأمة للهزائم تبدأ في البحث عن الأساطير والخرافات كي تنتشل نفسها مما هي غارقة فيه، والآن بما أن ذكرى حرب يوليو (تموز) عام 2006 قد حلَّت قبل يومين فإن هناك مَن لا يزال يعتبر هذه الحرب انتصاراً ربَّانياً عظيماً ومن يعتقد اعتقاداً جازماً أن هذا الفترة من الزَّمن هي فترة عودة المهدي المنتظر، ردَّ الله غربته، ليملأ الأرض عدلاً بعد أن امتلأت جوراً وليحرر فلسطين ويستعيد الأقصى ويوحد العرب والمسلمين، ويستعيد تلك اللحظة التاريخية عندما اهتزَّ عرش الخلافة لأن مسلمة اعتدى عليها "علجٌ" من الروم!! صرخت: "وامعتصماه".

"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" وأهمية الإسلام العظيم أنه غيَّر ما بنفوس العرب، فتغير ما بهم من هوان وفُرْقة ومن تسلط الأمم عليهم فقضوا على أهم إمبراطوريتين في ذلك الحين، الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية (البيزنطية)، واتسع ملك دولتهم حتى أصبح خلال سنوات قليلة يمتد من شواطئ الأطلسي في الغرب حتى سور الصين العظيم في الشرق... إننا الآن نعيش رمضان المبارك وقيمه، وعلينا أن نتذكر أن هذا الدين هبط على أُمة ممزقة فوحَّدها فأصبحت خير أُمة أُخرجت للناس تأمر بالمعروفِ وتنهى عن المنكر بفضله وفضل رسالته الخالدة.