يزخر رصيد البنوك الكويتية بالعديد من الأدوار الإيجابية، في إطار دعمها للنمو الاقتصادي بالكويت، بتمويلها مشاريع البنية التحتية من كهرباء ومياه وطرق ومنشآت نفطية، إلى جانب المشاريع السكنية والتعليمية والصحية، ومن الصعب أن نعدد المشاركات الفعالة لهذا القطاع المهم في دفع عجلة التنمية بالبلد عبر العقود الماضية، لكننا نستطيع أن نرسم دوراً له في المستقبل ليبقى محافظاً عليه ويطوره إلى الأفضل.

Ad

تعتبر قضية تمويل خطة التنمية من أهم القضايا المحورية الحالية في الاقتصاد الكويتي، اذ يراقب المتخصصون الدور المنتظر للبنوك الكويتية فيها.

ولا تعتبر الخطة في الكويت الوحيدة في العالم، فهناك خطط اخرى تم تطبيقها في دول متقدمة ونامية نفذها القطاع الخاص بنجاح وأدت إلى تحقيق نمو كبير في جميع قطاعات هذه الدول، كما ان هناك خططا كثيرة تنفذها حالياً العديد من الدول في اطار سعيها إلى الخروج من تداعيات الازمة المالية العالمية، وكلها بإدارة من القطاع الخاص وبتمويل منه، ولم تقم هذه الدول باختراع آليات جديدة لتمويل خططها، بل أعطت الدعم والضوء الاخضر إلى قطاعها المصرفي للتصرف حيال ذلك.

ويرى كثير من المتخصصين وأصحاب القرار أن البنوك هي الوحيدة القادرة على تمويل مثل هذه الخطة، خصوصاً مع توافر العديد من المقومات لديها، الأمر الذي سيوفر المال والوقت والجهد إذا ما تم اسناد هذه المهمة إلى جهات أخرى، مؤكدين قدرة البنوك المحلية على توفير التمويل دون الحاجة إلى ضخ سيولة إضافية في القطاع المصرفي، مبينين أن الاحتياجات التمويلية للخطة المطلوبة من البنوك تتراوح بين 9 و12 مليار دينار من إجمالي حجم الخطة التي تبلغ قيمتها 34 مليار دينار، خاصة أن باقي المبلغ يعتبر إنفاقاً حتمياً من جانب الحكومة على القطاع النفطي، ويتراوح بين 10 و12 مليار دينار خلال فترة الخطة، بالإضافة إلى جزء آخر من الخطة، وهو ما يتم إنفاقه على القطاع الحكومي وعلى الدولة، ويتراوح بين 9 و10 مليارات دينار خلال فترة الخطة. وأضافوا أن المتوسط السنوي للتمويل المطلوب من البنوك سيبلغ 2 مليار دينار سنويا، وهو ما تستطيع البنوك المحلية توفيره، خاصة انها تقوم بتقديمه بالفعل بدون ضمانات، مشددين على أن تمويل مثل هذه المشاريع الضخمة ذات الطابع الاستراتيجي يجب أن يكون عبر جهات محترفة حتى لا يتم تعريض هذه الاموال للخطر.

ووضع المتخصصون تسعة أسباب جوهرية تجعل البنوك هي السبيل الوحيد لتمويل المشاريع التنموية دون غيرها من المؤسسات المالية الاخرى وكانت كالتالي:

1- امتلاكها قاعدة رأسمالية قوية

تمتلك البنوك الكويتية قاعدة رأسمالية كبيرة استطاعت تدعيمها خلال الخمس سنوات الماضية بنحو 700 مليون دينار مع النمو الكبير الذي شهده الاقتصاد الكويتي وزيادة الطلب على التسهيلات الائتمانية، للانفاق الاستهلاكي والاستثماري، إذ ارتفعت رؤوس اموال البنوك الكويتية بنسبة 78.8 في المئة من 887 مليون دينار كويتي في 2005 إلى 1586 مليون دينار، وذلك عن طريق زيادة رؤوس أموالها بالاكتتاب أو من خلال توزيع اسهم منحة، وبلغت القيمة السوقية له نحو 13.3 مليار دينار.

ولا يواجه القطاع المصرفي أي مشكلة في زيادة رؤوس أمواله خاصة مع ثقة مساهميه والدعم الحكومي له والممثل في البنك المركزي الذي يدعو البنوك إلى رفع نسب الملاءة المالية لها، وهو ما سيظهر واضحاً مع تطبيق معايير بازل 3.

2- الجدارة الائتمانية

ينفي المتخصصون وجود أي أزمة للتمويل في القطاعات الاقتصادية التشغيلية كما يصورها البعض، مؤكدين أن مشاكل شح التمويل لا تعانيها سوى شركات الاستثمار والمؤسسات المالية التي تأثرت بشكل واضح من الازمة المالية العالمية، الامر الذي جعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها، وهو ما دعا البنوك إلى ايقاف التمويل عنها حتى تستطيع سداد التزاماتها السابقة، مشددين على أن "الحالات القليلة التي امتنعت فيها البنوك عن منح تمويل، تعود بشكل أساسي إلى عدم جدارة الشركة أو عدم أهليتها لتنفيذ المشاريع".

وأوضحوا أن المشكلة ليست في التمويل ولكن في الإدارة سواء كانت بالقطاع العام أو الخاص وليس للائتمان دخل بها، فهي ليست بحاجة إلى حلول في التمويل ولكن بحاجة إلى وضع اصول وقواعد تشريعية وتنظيمية من قبل الجهات المعنية لضبط التجاوزات والفساد الذي يصوره البعض على أنه شح في التمويل.

وأشاروا إلى أن القطاعات التشغيلية تشهد استمرار تدفق التمويل من البنوك المحلية، وهو ما تؤكده بيانات البنك المركزي خلال شهر أغسطس الماضي، حيث ارتفاع إجمالي التمويلات المقدمة إلى 25 مليار دينار، إذ ارتفع التمويل المقدم إلى القطاع التجاري إلى 2.311 مليار دينار، والقطاع النفطي والغاز 229.3 مليون دينار، والقطاع العقاري 6.441 مليارات دينار، والقطاع الصناعي 1.545 مليار دينار، وقطاع البناء والتشييد 1.753 مليار دينار، قطاع الزراعة وصيد الاسماك 13.3 مليون دينار.

3- تخمة السيولة وضخامة الودائع

تتمتع البنوك الكويتية بسيولة ضخمة ناتجة عن ارتفاع حجم الودائع بها خلال الفترة الماضية إلى 28.2 مليار دينار، بسبب الازمة المالية العالمية التي جعلت شريحة كبيرة من المستثمرين يلجأون إلى وضع أموالهم في البنوك حتى تمر الازمة، ويوضح الخبراء أن البنوك الكويتية تعاني شحا في قنوات الاستثمار لتوظيف هذه السيولة، خاصة مع انخفاض التمويل بسبب الازمة، الامر الذي دفعها إلى الاستثمار في الاصدارات الحكومية للسندات، لعدم وجود فرص استثمارية، مبينين أن البنوك إذا ما وجدت العميل الذي لديه الضمانات والمشروع الجيد ذي العوائد الجيدة لما ترددت في تمويله خلال الفترة السابقة، خاصة مع تدهور الأوضاع الائتمانية للعديد من الشركات وبالتالي باتت لا تستحق للتمويل.

وفي تصريح لوزير المالية مصطفى الشمالي أكد أن البنوك قادرة على توفير 1.738 مليار دينار إضافي حسب بيانات شهر يونيو الماضي، فضلا عن قدرة القطاع المصرفي على التمويل حتى 22 مليار دينار حال طرح سندات حكومية بـ11 مليار دينار.

4- الخبرات المصرفية القادرة على إدارة التمويل

تمتلك البنوك إدارات استثمار قادرة على إدارة التمويل اللازم لخطة التنمية وإجراء دراسات وافية لقدرة الشركات المنفذة للمشاريع، خاصة أن هذه الامور هي أحد اختصاصاتها المصرفية التي تقوم بها بشكل دوري، ولن يتطلب الامر منها تكلفة إضافية لإنشاء مثل هذه الادارات كما هو مقترح من بعض الدراسات لإنشاء إدارة خاصة لمنح التمويل في بنك التسليف والادخار، ولن يتطلب أيضاً تكاليف أخرى مثل تدريب واعداد الكوادر اللازمة، كما أن خبارات البنوك الحالية تستطيع اختصار المال والجهد والوقت بسبب كفاءتها المشهود لها محلياً وعالمياً حسب التصنيفات التي تصدرها بعض الجهات الرائدة في هذا المجال.

5- منح الائتمان على أسس تجارية ووفق القوانين

تستطيع البنوك أن تقوم بمنح الائتمان اللازم لخطة التنمية بالطريقة التي تنفذ بها تمويلاتها الحالية، والتي تعتمد على الاسس التجارية وفق القوانين والتشريعات الحالية، وتحت رقابة الجهات المعنية وأولها البنك المركزي، وهو الامر الذي يخرج هذه التمويلات من شبه الفساد في حال خروجها من إدارة حكومية، كما سيدعم مبدأ تكافؤ الفرص للشركات المنفذة مع الشركات المنافسة التي لم يتسن لها الدخول ضمن مشاريع التنمية حتى لا تخرج الأخيرة من السوق.

6- التمويل خارج القطاع يخالف مبادئ السوق

تقوم جميع دول العالم بتمويل خططها التنموية ومشاريعها العملاقة عبر القطاع المصرفي والمالي لها، من خلال القروض المباشرة والمجمعة بين بنوكها المحلية أو مع البنوك الأجنبية، بالإضافة إلى أدوات الدين المختلفة، وذلك حتى لا تتم مخالفة مبادئ السوق، الامر الذي سيترتب عليه العديد من السلبيات، أهمها تدهور وتقلص دور القطاع الخاص، وبروز الفساد الاداري في المشاريع التي تمولها الحكومة.

ويبين الخبراء أن القطاع المصرفي الكويتي يأتي في المرتبة الثانية في قائمة أهم القطاعات الاقتصادية بالكويت بعد قطاع النفط، خاصة انه يتحمل تحقيق الرؤية الاميرية لتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، خاصة مع التصنيفات الاقليمية والعالمية التي تتمتع بها البنوك المدرجة في هذا القطاع.

7- المرونة في إدارة وتوفير الائتمان

يتمتع القطاع الخاص بشكل عام بقدرته على مواكبة التغيرات في الاسواق باتخاذها قرارات سريعة تستطيع ان تتجاوزها بأقل الاضرار، وهو ما طبقته البنوك بشكل كبير مع قيامها في بداية النصف الثاني من العام الحالي بتقديم تسهيلات جديدة للشركات التي تنفذ مشاريع كبرى، وذلك بتخفيضها الضمانات المطلوبة على الودائع النقدية من الشركات ذات الملاءة المالية والملتزمة بسداد مديونياتها السابقة من 100 في المئة إلى 40 في المئة، في حين واصلت تشددها على الضمانات التي تعتمد على الأسهم، حيث تطلب تغطية قيمة القرض بنسبة تصل إلى 150 في المئة، وهو الامر الذي يؤكد قدرة البنوك على طرح حلول مبتكرة للخروج من أي مأزق قد تتعرض له، وهو أمر مطلوب خلال تنفيذ مشاريع عملاقة بمليارات الدنانير.

كما تستطيع البنوك الحصول على بعض الاستثناءات من قبل البنك المركزي في منح التمويل، تشمل الضمانات والنسب المالية للشركات المنفذة للخطة، خاصة مع عدم ممانعة "المركزي" ذلك. وأكد الخبراء أن الحكومة غير مطالبة بتمويل مشاريع التنمية، عدا المشاريع الضخمة التي تتجاوز 400 أو 500 مليون دينار بقيامها بتوفير ضمان جزئي من إجمالي التمويل الممنوح.

8- تخفيض الوقت والمال والبعد عن البيروقراطية

لفت الخبراء إلى أن الوقت اللازم لإنشاء جهة أخرى لتمويل مشاريع الخطة قد يطول إلى أكثر من سنتين حتى يتم تأسيس الهيكل التنظيمي لهذه الجهة، اضافة إلى أن هذه الجهة ستعاني بشكل اساسي مما تعانيه بقية الجهات الحكومية من روتين وبيروقراطية، الامر الذي سيجعل الدورة المستندية للمشروع الواحد تزيد على العام أو العامين، وهو ما سيؤخر تنفيذ الخطة.

9- ارتفاع تكلفة إنشاء جهة أخرى للتمويل

أشار الخبراء إلى أن تكلفة إنشاء جهة أخرى لتمويل خطة التنمية ستثقل كاهل الخطة بزيادة المصاريف الادارية لها، خاصة أن إنشاء مثل هذه الجهة يتطلب خبرات وكوادر وظيفية قد يتجاوز عددها الموظفين العاملين في كل البنوك المحلية مجتمعة، وسيحمل الدولة مصاريف هؤلاء الموظفين وتدريبهم، في حين يمتلك الجهاز المصرفي الخبرات التي تنفذ الامر دون الحاجة إلى تكلفة إضافية.