يا للمفارقة المحزنة والمؤلمة في آن، إذ إنه في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بالذكرى 62 لصدور "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الذي يؤكد أن حق التعبير السلمي هو حق أصيل من حقوق الإنسان، فإن القوات الأمنية الخاصة بمكافحة الشغب تطوق منطقة الصليبيخات السكنية بكاملها وتحاصر المواطنين العزل المسالمين المجتمعين داخل ديوان النائب د. جمعان الحربش والذين من بينهم بعض ممثلي الأمة، ثم تقوم القوات الخاصة بعد ذلك بالاعتداء عليهم بالضرب المبرح بشكل غير قانوني لا لذنب ارتكبوه مخالفاً للقانون، بل لأنهم تجمعوا في الديوانية وعند أسوارها، وهو ما يعتبر مكاناً خاصاً وذلك للتعبير بشكل سلمي عن رأيهم الرافض لبعض الممارسات الحكومية التي يعتبرونها انتهاكاً للدستور.

Ad

لذا ومن دون لف ودوران أو تضليل وتدليس، فإن ما حصل من قبل القوات الأمنية ليلة الأربعاء الماضي المشؤومة هو باختصار تعدٍّ على الحريات العامة وانتهاك لكرامات الناس وحرمات المنازل، وهو ما تحظره المواثيق الدولية من جهة والدستور والقانون المنظم للاجتماعات العامة من جهة أخرى، إذ كما ذكر الخبير الدستوري الزميل د. محمد الفيلي (القبس 10 ديسمبر 2010) فإنه "لا يوجد أي سند قانوني لتصرف القوات الأمنية"، خصوصاً بعد أن قررت المحكمة الدستورية عدم دستورية أحكام الباب الأول من قانون التجمعات الذي تستند إليه الحكومة لتبرير تصرف القوات الخاصة في تلك الليلة السوداء.

وحتى لو افترضنا جدلاً، مع أنه غير صحيح إطلاقاً، أن القانون، كما تدعي الحكومة، يمنع التجمعات العامة خارج أسوار المنازل، فهل الاعتداء بالضرب على ممثلي الأمة والمواطنين العزل الذي شاهدناه على القنوات الفضائية والمدونات الإلكترونية يعتبر الطريقة المثلى لتطبيق القانون، خصوصاً أن منظمي الندوة قد استجابوا لطلب القوات الأمنية بفض الاجتماع؟ ثم هل يبيح القانون ضرب الزميل الصحفي محمد السندان الذي حضر لأداء واجبه الصحفي والذي يرقد الآن في المستشفى بعد تلقيه ضربة عنيفة على الرأس كادت تودي بحياته؟ بل أكثر من ذلك، هل يعتبر تطبيقاً صحيحاً للقانون المزعوم استهداف شخص الصديق والزميل الفاضل أستاذ القانون د. عبيد الوسمي الذي سُحب عنوة وبشكل مهين من داخل الديوانية، ثم أشبع ضرباً قاسياً وركلاً عنيفاً أمام أعين الجميع حتى فقد الوعي وكاد يفارق الحياة؟ الجواب هو النفي القاطع بالطبع.

لقد كان من المفترض على الأقل أن تعتذر الحكومة عما قامت به القوات الأمنية من انتهاك للقانون وللحريات العامة التي كفلها الدستور، وأن تحاسب المسؤولين عما تم من مخالفة صريحة للدستور والقانون بدلاً من محاولات ترقيع ما حصل على أساس أنه تطبيقٌ للقانون، فكما يقول مثلنا الشعبي "شيء يترقع وشيء ما يترقع"، لاسيما في ظل وسائل الاتصالات الحديثة التي تنقل الأحداث مباشرة بشكل محايد ومن دون تدخلات من أي طرف!