كتابة الرواية من الأعمال الإبداعية الممتعة، الصعبة، تأخذ وقتا طويلا حتى تنضج، وتأخذ وقتا آخر حتى تراجع وتصحح. وهناك ثلاثة طرق لكتابة الرواية، ولا أدري إن كانت هناك طرق أخرى لكتابتها أكثر من ذلك؟

Ad

وأنا لا أقصد أنواع الرواية، فهناك أنواع كثيرة منها، مثل الرواية الاجتماعية والبوليسية ورواية الخيال العلمي، والسياسية والتاريخية والدينية والتراثية الخ. ما أعنيه هو الكيفية التي تكتب فيها الرواية، فمثلا هناك من يكتبها من بعد أخذها وسماعها من أفواه أبطالها، أي أنه يقوم بتسجيلها، وتدوينها وكتابتها بما يملك من قدرات اللغة في الكتابة.

وهناك من يأخذ القصة من أصحابها، ومن ثمة يقوم بكتابتها من بعد ما يخرج منها برؤيته الخاصة في المعنى منها أو مغزى جوهرها، بحيث تصبح الرواية ما سمعه منهم، وما كون له رؤية خاصة من الحكاية. والطريقة هذه أصعب من الطريقة الأولى التي تكتفي بالسماع والتدوين. وتبقى الطريقة الأصعب في كتابة الرواية، هي أن يقوم الكاتب بخلقها من العدم، أي انها ليس لها أي أثر ولا ظل على الأرض، فهي مجرد كتابة جاءت لتعطي معنى، أو لتوضح فكرة أو رؤية معينة لدى الكاتب تجاه مواضيع، أو أمور خاصة يراها بشكل مختلف، يريد أن يوضحها ويوصلها إلى الآخرين.

هنا يقوم الكاتب بخلق شخصياته من العدم، ليس لها أية ملامح أو معالم محددة سلفا، وعليه أن يقوم بتحديد شكلها، وطباعها وصفاتها ورغباتها وإرادتها، وما تريده من حياتها وطبعا ألا يغيب عن ذهن الكاتب ولو للحظة صغيرة، سبب خلقها ومجيئها لحمل ما يعتمل في نفسه من مواضيع وقضايا، يجب أن تحملها معها في سيرتها ومصيرها وصيرورتها.

الطريقة الأولى يتبعها الكثير من الروائيون والروائيات، فهي الأسهل والأقصر، تمكن كاتبها من الإنتاج السريع، ربما تأتيه في كل عام برواية.

الطريقة الثانية وهي الأصعب من الأولى يتبعها عدد من الكتاب الذين لهم منهاج ورؤية وفكر.

أما الطريقة الثالثة فهي التي تحمل من الصعوبة أثقلها، ومن الزمن أطوله، ومن سرعة الإنتاج لأبطأ.

فالكاتب في هذا النوع من الرواية يحتاج إلى وقت طويل حتى يستطيع إخراج شخصياته من سبات عدمها.

فهي تأخذ الوقت الكافي لتصحو ولتنفض عنها غبارها، وتفصح عن كيانها ومكنونها الذي تشربت به من خلال مرحلتها الجنينية من أفكار ورؤى مؤلفها الذي يريد إيصالها إلى الآخرين عن طريقهم.

ولكل طريقة في الكتابة منافعها أو مكاسبها، التي ينعكس المردود منها على الكتابة وعلى المؤلف. فمثلا في الطريقة الأولى مكسبها يعود على الكاتب الذي التقط الحكاية المفصلة والجاهزة للكتابة من دون أدنى تفكير في خلقها، جاءت إليه مخلوقة وخالصة، استفاد تماما من

«جاهزيتها» وحضورها المكتمل.

أما الحالة الثانية في الكتابة، نجد فيها أن الكاتب قد استفاد من الحكاية، والحكاية استفادت منه فهو التقطها جاهزة وحاضرة للكتابة، وهذه بحد ذاتها استفادة له، ولكنه حين منح وجودها رؤية وقيمة وتأويل، استفادت الرواية من القيمة التي أضافها لها. وتبقى الطريقة الثالثة وهي التركيب الأصعب، وفيها المكتسب والفائدة الأكثر قيمة الذي يعود إلى الرواية ومؤلفها. الرواية هنا تكتسب فائدتها من الخلق المقصود لها، وبالأغراض الموجهة والمطلوب تحققها في الكتابة، فهي مخلوقة من الأساس لهدف معين، حين يُوصل تكون قد حظيت بفائدتها.

ويكون الكاتب قد حصد فائدة توصيلها لما يريده أو لما يفكر به أو ما كون له من رؤية استطاع إيصالها، وتوصيلها بالطريقة التي يراها فيها، ويكون ساعتها قد نال الحظ والاستفادة كلها من الطرفين. وتبقى كتابة الرواية متعة ذات حدين، أولهما هو الاستيلاء الكامل على أوقات الكاتب وحياته فيها، بعيدا عن كل من هم حوله. الاستغراق في عالم بقدر ما يمنح المتعة، بقدر ما يسبب التعب من التفكير والقلق.

لكن تبقى كتابة الرواية عالما مليئا بالتعب والبهجة، وهذا هو سرها.