دخلت المواجهة بين الفرقاء اللبنانيين في شأن مصير المحكمة الدولية الخاصة بلبنان منعطفاً جديداً، من خلال القرار الذي اتخذه وزراء قوى 8 آذار برفض التصويت لمصلحة رصد مبلغ في موازنة الدولة لعام 2011 لتغطية حصة لبنان في موازنة المحكمة، بعد إسقاط البند المتعلق بحصة لبنان التي سبق أن سددت بسلفة خزينة من موازنة عام 2010 خلال بحث مشروع الموازنة في لجنة المال النيابية.

Ad

ولعل أبرز ما يتوقف عنده المتابعون لهذا الملف هو ترافق بدء مجلس الوزراء في بحث مشروع موازنة عام 2011 مع تصريح أدلى به رئيس الجمهورية ميشال سليمان، طالب فيه المحكمة الخاصة بلبنان بالعمل على إبعاد شبهة التسييس عن عملها، وهو ما سارعت قوى 8 آذار إلى اعتباره مؤشراً على أن وزراء رئيس الجمهورية الخمسة سيصوتون ضد مساهمة لبنان في تمويل المحكمة، مما يعني عملياً استحالة حصول المشروع على أكثرية الثلثين المطلوبة لإحالته إلى المجلس النيابي، حتى ولو صوت وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي الثلاثة مع المشروع، فكيف إذا امتنعوا عن التصويت أو إذا صوتوا ضد المشروع؟

لكن مصادر وزارية بارزة كشفت لـ"الجريدة" أن الرئيس سليمان بعث برسالة إلى رئيس الحكومة سعد الحريري عبر أحد الوزراء المحسوبين عليه بأن كلامه عن المحكمة الدولية لا يعني التخلي عن المحكمة، كما أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أبلغ الحريري خلال لقائهما أمس الأول أن الموقف الذي أعلنه من المختارة وفيه تمنى لو أن المحكمة الدولية لم تقم، لا يعني التصويت ضد تمويل المحكمة أو سعياً لنسف عملها، وإنما هو موقف سياسي للتاريخ ليس إلا.

ومع ذلك فإن الانطباع السائد في أوساط قوى 14 آذار بات يميل إلى شبه تأكيد استحالة تمرير مشروع الموازنة في مجلس الوزراء بما يتضمنه من بند خاص بتمويل المحكمة، من دون أن تتضح صورة الخطوات اللاحقة التي يمكن أن تعتمد كمخرج. ذلك أن الأمور باتت تقارب المأزق الحقيقي في ظل غياب آفاق جدية للتسوية في هذا الشأن لا سيما أن "حزب الله" وحلفاءه يبدون في موقع المستمرين في الهجوم، مدعومين بمواقف من جانب سورية ورئيس الجمهورية بدأت تميل بشكل ملحوظ إلى مصلحة وجهة نظر الحزب.

ويرى المراقبون أن الحريري سيجد نفسه أمام خيارات محددة في غضون الأيام القليلة المقبلة:

1- توازن قوى داخل الحكومة يسمح لقوى 8 آذار بإسقاط بند تمويل المحكمة من مشروع الموازنة، ويسمح في المقابل لقوى 14 آذار بعدم تمرير المشروع من دون إقرار هذا البند. وهو ما يعني عملياً فشل الحكومة في إقرار مشروع موازنة العام المقبل وإحالته إلى المجلس النيابي.

2- مبادرة الحريري في ظل هذا الواقع إلى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم من خلال الاعتكاف وربما الاستقالة، مع ما يعنيه ذلك من شلل حكومي وأزمة حكم في ظل إبلاغ مرشحين أساسيين لرئاسة الحكومة، ومنهم النائبان محمد الصفدي ونجيب ميقاتي، رئيس الحكومة استحالة قبولهما تشكيل حكومة جديدة ما لم يكن هو موافقاً على ذلك وداعماً له.

3- مبادرة قوى 8 آذار إلى الاستقالة من الحكومة، وهو ما يسلط الضوء على قرار وزراء رئيس الجمهورية وجنبلاط. ذلك أن نجاح رئيس الجمهورية في إلزام وزرائه الخمسة بالبقاء في الحكومة سيبقي الحكومة قائمة دستورياً، وإن كان ذلك من شأنه أن يسقطها سياسياً في تكرار لتجربة انسحاب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، علماً بأن هناك من يؤكد أن الوزير عدنان السيد حسين سيخرج في مثل هذه الحالة عن مرجعيته المعلنة وسيكشف فعلياً وعملياً أنه "الوزير الملك" الذي أودعه "حزب الله" حصة رئيس الجمهورية فيستقيل ليسقط الحكومة.

وبحسب معلومات من مصادر قريبة من رئيس الجمهورية فإن هناك اتصالات على خط رئاستي الجمهورية ومجلس النواب والنائب وليد جنبلاط بهدف التوصل إلى مخرج يقضي باستعادة تجربة إقرار قانون المحكمة الدولية في مجلس النواب، عندما صارح الرئيس نبيه بري مراجعيه من داعمي المحكمة بالذهاب إلى إقرارها في مجلس الأمن كمخرج للأزمة. وتقوم فكرة السيناريو الجديد على إسقاط بند تمويل المحكمة من موازنة الدولة اللبنانية بموجب اتفاق إقليمي ودولي تتولى جهات خارجية بموجبه تسديد حصة لبنان من موازنة المحكمة، فيتم تأمين المال اللازم لاستمرار عملها مع تجنيب لبنان مواجهة مكشوفة.

لكن المراقبين يعتبرون أن هذه الصيغة لن تكون مخرجاً للأزمة لأن "حزب الله" وحلفاءه سيمضون قدماً في مطالبة الحريري وحلفائه بمواجهة علنية للمحكمة من خلال الرفض المسبق لما يمكن أن يصدر عنها، كما أن قبول قوى 14 آذار التخلي عن تمويل لبنان للمحكمة يعني صفعة سياسية جديدة، وتنازلاً إضافياً في المواجهة مع "حزب الله".