أجمل شعور هو أن تجلس مثلي هكذا، متربعاً، واضعاً يدك على خدك، بانتظار تشكيل الحكومة التي ستكون مسؤولة عن حاضرك ومستقبلك أنت وعشيرتك الأقربين، دون أن يكون لك في اختيارها قرار... وإذا سئلت فـ«رش بخّتين» من أطياب المرشود على غترتك وخلف أذنيك وقل: «نحن في بلد ديمقراطي ولا فخر».

Ad

لا أريد أن أقول كلاماً يُغضب الحكومة مني (كنت أريد أن أقول «لا أريد أن أغضب سمو الرئيس مني» لكنني تراجعت لأسباب برمائية غير مرئية)، ومن أنا كي أغضب الحكومة، صعلوك ليس في يده إلا قلم مُحرّم تتفحصه الجمارك بأشعة الليزر وتتناوشه القضايا، صعلوك يقرأ دائماً «الناس سواسية» فيضحك حتى يظهر لسان موته في أقصى بلعومه، أو زلعومه، على رأي اللبنانيين.

عن نفسي، لن أنتظر بلهفة على النافذة تشكيل الحكومة. وجُل من أعرف، إن لم يكن كلهم، مثلي لا ينتظرون على النوافذ، فهُم يعرفون البير وغطاه، وممّ صنع غطاه، وأين.. لذا، تعالوا نضحك ونرقص إلى أن يقرر أصحاب المعالي مصيرنا، تعالوا نطفئ الأنوار بيدنا لا بيد عمرو الحكومي، وندخل تحت عباءة الظلام، ولتنتقوا لنا أغنية تساعد على الرقص وهز الأكتاف وغير الأكتاف... هي خاربة خاربة فعلامَ البكاء والنحيب؟

وتذكرت صديقاً كان تحدث في الديوانية بألم وأسى: «أقسم بالله لن تطأ قدمي أميركا مرة أخرى»، فتساءلنا: «ليش؟»، فأجاب بشموخ ملك إفريقي تحيط به الجواري: «لم أتعرض في حياتي لمهانة كالتي تعرضت لها في مطاراتها»، فتهكّم أحد الأصدقاء: «كان الله في عون أميركا... ستخسرك»، وتهكمتُ مثله وأنا ألتفت إلى القبلة: «ومتى كنت محترماً يا أخا العرب (لم أقل يا أخا الكويت) كي تستنكر المهانة؟... القطعان لا تتذمر»، فشوّح بيده متذمراً: «متى تكف عن الحديث في السياسة؟ ثم يا أخي لمَ لا تعتبرنا قططاً اقتنتها الحكومات وأمعنت في تدليلها»، فأجبته: «لن أكف عن الحديث في السياسة إلى أن تكف أنت عن ادعاء الاحترام، أما حكاية القطط فلن أعلق كي لا تلطخ السجادة».

***

العتب على ذاكرتي المهجورة التي تراكمت فيها الكراكيب فلم أعد أفرّق كركوباً عن آخر، وكم من قطعة ثمينة فقدتها في دهاليز هذه الذاكرة الخربة... عموماً، نسيت أن أنوّه في مقالتي السابقة إلى أنني أود استئذانكم وإدارة التحرير للتوقف بضعة أيام لا تتعدى أصابع اليدين، كي أتفرغ لمتابعة الصحيفة الإلكترونية.