المراهقة أدق مرحلة في حياة الشبّان كيف تتخطاها مع أبنائك؟
المراهقة هامة في حياة كل شاب، وطالما تطرّق إليها علماء الاجتماع واختصاصيو التربية على مدى أجيال. وقد وضعَت الدكتورة فاطمة الكتاني في هذا المجال كتابًا أصدرته «الدار العربية للعلوم ناشرون» بعنوان: «كيف تكسب ابنك المراهق» تعلِّمنا فيه كيف نتخطى مع أبنائنا صعوبة هذه المرحلة.أسئلة كثيرة ترد في خاطرنا أثناء تعاملنا مع أبنائنا المراهقين في مختلف الظروف، فنتساءل أحيانًا كيف نتصرّف معهم، وماذا يريدون منّا، وما الذي فعلناه حتى ثار غضبهم، وهل أخطأنا فعلاً معهم من دون قصدٍ منّا، وهل ولدنا إنسان طبيعيّ أم أنه يمرّ بظرف عصيب؟
فمن هو المراهق بحسب تصنيف د. فاطمة الكتاني، وكيف نستطيع كسب أبنائنا الذي يجتازون هذه المرحلة؟من هو المراهق؟المراهق طفل يحتاج إلى عطفنا وتوجيهنا ودعمنا، وهو شاب راشد في نظر نفسه بحاجة إلى حرية التعبير واتخاذ القرار، وإلى إثبات وجوده في العائلة والمجتمع الذي يعيش فيهما.والمراهق شخص يصبح شديد الحساسية إزاء تعليقاتنا وانتقاداتنا، وينقلب إلى مشاكس ومشاغب ويميل إلى التحدي والتمرّد على كل من أو ما لا يعجبه.فالمراهق إذًا شخص يعيش صراعًا مع ذاته أوّلاً، ثم مع الآخرين، ويميل إلى الابتكار والتغيير من خلال انتقاده ما هو سائد ومتعارف عليه بين الناس.ومرحلة المراهقة التي تمتدّ ما بين سن الحادية عشرة والإحدى والعشرين سنة، تُعتبر أهمّ مرحلة وأخطرها في عمر الإنسان، وهي التي تحدّد المسار الذي سيسلكه لاحقّا في نموّه. إنها مفترق طرق، فإما أن يسير في اتجاه إيجابي أو أن يتّخذ اتجاهًا سلبيًا.قواعدتعبّر القواعد عن القيم والمعتقدات والأعراف والتقاليد التي يحملها الآباء في أذهانهم، والتي يعتبرونها أسسًا تحدّد لهم كيفية توجيه أبنائهم وتربيتهم، وتكون بذلك الأطر المرجعية لضبط السلوك وتنمية الضمير. ومن أمثلة القيم والأعراف نذكر: النظام والنظافة والاحترام والحب والتسامح والاهتمام بالصحة وعدم التعدي على حقوق الآخرين وغيرها. وفي مجتمعاتنا العربية طبعت الحضارة الإسلامية معظم هذه القيم والقواعد بطابعها المتميز إذ يلجأ الأهل لفرض احترامهم على أبنائهم المراهقين إلى استخدام عبارات مقتبسة من القرآن الكريم أو الحديث الشريف التي تحثّ على طاعة الوالدين.لكن هذه القواعد تحتاج إلى أساليب قد تكون إيجابية كالحوار وتقبّل الآخر والحزم والتدريب على المسؤولية، وقد تكون سلبية كالقسوة والإهمال والسخرية والحماية الشديدة والتذبذب... واستعمال الأساليب السلبية هي التي تؤدي إلى نمو الأطفال في اتجاه سلبي.كلمة «لا»أحد أبرز أساليب التربية قول كلمة «لا» عند الضرورة. فمنذ يبدأ الطفل الحبو ومن ثم المشي تبدأ اللاءات تقال له: لا تمسك الكوب؛ لا تلعب بالورق؛ لا تلمس قارورة الغاز؛ لا تضرب أخاك... وعندما يصبح مراهقًا نقول له: لا تتأخر عند المساء؛ لا ترفع صوتك؛ لا تقد السيارة بسرعة؛ لا تدخن... ومعرفة كيفية قول كلمة «لا» مهمّ جدًا بالنسبة إلى الأبناء وإلى أفراد العائلة. فكلمة «لا» تعني الحزم ومعرفة وضع الحدود، ولكن حتى يكون لها التأثير البنّاء والإيجابي يجب أن نعرف ما الهدف من قولها؟ وكيف تقال؟ وما الأضرار الناتجة من عدم قولها للأبناء عند اللزوم؟ولكي نصل إلى الهدف من قول كلمة «لا» ينبغي توافر شروط عدة في الطريقة التي يجب أن تقال بها. ويمكن تلخيصها في ما يأتي:- يجب أن نقول «لا» بنبرة قوية وحازمة من دون عنفٍ أو صراخ.- يجب أن نفكر مليًا قبل أن نقول «لا»، فبعدما نقولها لا يصحّ التراجع عنها كي لا نبدو ضعفاء.- يجب أن نقول «لا» بشكل واضح ومحدّد ومن غير شرح أو تبرير.- عندما نقول «لا» علينا ألا نستخف بابننا أو نسخر منه، بل ينبغي قولها باحترام.- يجب أن يكون الوالدان متفقين على كلمة «لا»، وإلاّ تركنا المجال لابننا للتحايل والابتزاز لعدم تطبيق القواعد.المسؤوليّةلا بدّ من تدريب المراهق على تحمّل المسؤولية إذا أردنا أن تكون تربيته إيجابية، وذلك حسب عمره. فالمراهق ما بين 11 و 15 عامًا ليس نفسه من عمر 16 إلى 21 عامًا لأنه يقترب من سن النضج التي تؤهله لمسؤوليات أكبر نظرًا الى متطلباته الجديدة.وتتزامن مسؤوليات المراهق مع حاجته إلى الاستقلالية والحرية. ولكي يصل إلى تحقيق استقلاليته والفوز بحريته عليه أن يصبح مستقلاً ماديًا عن والديه. فالسلطة مرتبطة بالإنفاق، وبما أن الأب ينفق على ابنه فعلى هذا الأخير الخضوع لسلطته:وثمة نوعان من المسؤوليات التي تعطى للأبناء المراهقين: - مسؤوليات مرتبطة بواجباتهم تجاه أنفسهم كالاستيقاظ من النوم بمفردهم وتحضير فطورهم وإنجاز فروضهم المدرسية وترتيب غرفهم وكيّ ملابسهم...- ومسؤوليات مرتبطة بعلاقاتهم بالمحيطين بهم وأولهم الوالدان والإخوة، كالمساعدة في مهام البيت ومراعاة مشاعر الآخرين والمشاركة في أعباء الأسرة.تكليف المراهقين بمهام ليقوموا بها يعني أن الأهل يثقون بهم وبقدرتهم على التعاون والمساعدة. وهذا ينمّي فيهم الشعور بالاستقلالية ويقوّي العلاقة بينهم وبين ذويهم.حوار وإصغاءكثير من الأهل لا يجيدون الحوار مع أبنائهم، ويفضّلون الإكثار من تقديم النصائح، وإلقاء المحاضرات في الأخلاق، والأمر والنهي من قول «إفعل» و{لا تفعل»، والتهديد بالعقاب. وهم في الحقيقة بعيدون عن الحوار العاقل والمتزن الذي عليهم إطلاقه مع أبنائهم.وللحوار الجيد شروط ينبغي استيفاؤها ليصبح بنّاءً. ومنها:- أن يكون مستمرًا بين الآباء والأبناء بشكل متناغم وودّي. ودور الأهل فيه توجيهي هدفه الدخول إلى عالم المراهق وثقافته.- قد لا يرغب المراهق في الحديث عن نفسه، وفي هذه الحالة نتحدّث عن أنفسنا في الموضوع الذي نرى أنه يشغل باله فنساعده على التكلّم عن نفسه، وننصت إليه باهتمام.- الاستماع إلى الأبناء من دون مقاطعتهم لتقديم نصيحة أو اعتراض على كلام لم يعجبنا.- عدم التسرّع في إصدار الأحكام والتحلي بالصبر والحكمة والهدوء والانفتاح.- عدم المراوغة والكذب، واعتماد الصدق والصراحة أثناء الحديث.- عدم استعمال كلمة «يجب» طوال الحوار.أما الإنصات فله شروطه أيضًا وهي تتمحور في التركيز على نبرة صوت المحاور وعلى وضعية جسمه والنظر في عينيه لفهم ما يريد قوله وما يريد إيصاله إليك.الثقة بالنفسيؤدي الوالدان دورًا أساسيًا في مساعدة أبنائهما على تقدير ذواتهم أو عدم تقديرها. ويرتبط هذا التقدير بالنجاح والرضا والقبول الاجتماعي والقدرة على تحمّل المسؤولية وضبط النفس وقوة الشخصية.واللغة التي يستخدمها الأهل هي الأداة التي يملكونها لبناء تقدير جيد لذوات أبنائهم المراهقين، فهي التي تعكس لهم كل يوم وعبر مئات التفاعلات صورة أنفسهم وتقييمنا لسلوكهم وكلماتنا ونبرة صوتنا وإطراءنا وتوبيخنا.وتشتمل لغة تقدير الذات على أربع خطوات:1 - وصف السلوك: علينا أن نصف سلوك المراهق ولا نحكم عيه كشخص.2 - توضيح ردّ الفعل تجاه سلوكه: بعد وصف سلوك الابن يجب توضيح السبب الذي دفعنا لنطلب منه تغييره.3 - الاعتراف بمشاعر الأبناء: عندما نعبّر للمراهق عن مدى إدراكنا بما يشعر به فإننا نكون قد أعطيناه تقديرًا واهتمامًا خاصًا، وهذا ينعكس إيجابًا على تقديره وثقته بنفسه.4 - التعبير بوضوح عما هو مطلوب منه.بعد هذه الإرشادات التي أوضحتها المؤلفة في كتابها، تنتقل إلى علاقة المراهق بأصدقائه والتي يجب أن تكون مراقبةً من الأهل لتفادي الوقوع في أخطاء جسيمة.وفي الفصل الأخير تتناول التعامل مع مشاكل المراهق وانحرافه من فشل في الدراسة إلى التحدي والتمرد إلى مشاكل الاكتئاب والذعر. ولا تلبث أن تتطرق إلى مشاكل الانحرافات الجنسية والإدمان على المخدرات والتدخين، ومشاكل الكذب والسرقة وغيرها.وتختتم د. الكتاني كتابها بعرض الطرق والأساليب التي تساعد الوالدين على التعامل الصحيح مع أبنائهما المراهقين.