أجمعت الوثائق والكتب على المرحلة التجارية النشطة خلال القرن الثامن عشر لمنطقة الخليج، والتي ساهمت في انتقال الكويت من قرية صغيرة إلى مدينة تحتضن مركزا تجاريا وتملك أسطولا ملاحيا.

Ad

ونتساءل: ما سر نجاح الكويت كمركز تجاري منذ القدم؟ أهو ظرف استثنائي أم أن هناك عوامل استرتيجية أخرى؟ لو ابتدأنا بالبحث عن العوامل التي ساعدت على تلك النقلة والتغير الاجتماعي والاقتصادي لوجدناها متعددة:

أولها الموقع الجغرافي، فوجود الكويت على رأس الخليج العربي وارتباطها بالمنفذ البحري جغرافيا ساهم في بناء طريق ملاحي ربط ما بين الشرق والغرب, وارتباطها عن طريق البر مع طرق تجارية مهمة جعلها منطقة عبور «ترانزيت» لمختلف الدول بمختلف البضائع, الأمر الذي حفز الكويتيين على استغلال الموقع الجغرافي بشكل فاعل، والسعي إلى بناء أسطول ملاحي وتجاري ضخم... لذلك نجد أغلب الكتب التاريخية تحرص على الإشارة إلى دور الكويت كمركز تجاري آنذاك.

أما العامل الثاني الذي ساعد على النمو الاقتصادي فهو اجتذاب الكويت لوكالة الهند الشرقية في الوقت الذي اضطربت فيه الأوضاع في الدول المجاورة، بالإضافة إلى احتلال الفرس لمدينة البصرة؛ العامل الذي ساهم في قرار الشركة بالبحث عن مركز تجاري قريب كما تشير الدكتورة نجاة عبدالقادر في كتابها «تاريخ الكويت الحديث والمعاصر».

ولكن لم تخل الجاذبية التجارية من جاذبية الأطماع السياسية أيضا, الأمر الذي حفز على الإدارة الجيدة والشورى بين الحاكم والمحكوم، وبالتالي المساهمة في خلق المودة والتفاهم وحفظ التوازن والاستمرارية في تكريس النهج الاقتصادي دون الانغماس في القضايا الإقليمية.

لذا فعلى الرغم من تعرض الكويت للأطماع قديما فإنها استطاعت وبقدراتها المحدودة أن تحمي الحياة المحلية من الفتن، وأن تستفيد من أجواء عدم استقرار المنطقة في اقتناص الفرص التجارية من خلال توفير الأمن والأمان للشركات والمؤسسات، لذا فالعامل الأهم هو الحوار الفاعل والإدارة الجيدة للنزاعات واحتواء اختلاف وجهات النظر... فلم تخل الحياة آنذاك من الخلافات، ولكنها أيضا لم تخل من الالتزام بالحوار سواء لدى الحاكم أو المحكوم.

أما دوافع الإصلاح فكانت الرغبة في تكريس حسن الإدارة والاستفادة من التأثير الثقافي الناتج عن انفتاح الكويت على الأقاليم المجاورة، بالإضافة إلى الدول العربية بمفكريها لخلق موروث ثقافي عربي يحمي «الهوية».

واليوم تستمر التغيرات في الملامح السياسية ولكن بطريقة أخرى، فنخوض أحيانا في قضايا إقليمية قد تساهم في افتقادنا لجاذبيتنا الاقتصادية, أما في الشأن المحلي فنسترجع أحداث «مسلسل» أزمات الحوار الحكومي والبرلماني، وننغمس في تحديد أسلوب خروج الحوار عن إطار البرلمان، وتجمعات يعتبرها البعض «جمعة غضب» والبعض الآخر «جمعة تضامن».

ونتحدث عن التأثر بالأوضاع السياسية في منطقة الخليج والمنطقة العربية دون أن نعي أن النجاح تاريخيا يكمن في حماية الجبهة المحلية, وتحويل الكويت إلى مركز تجاري عالمي، وعدم الانغماس في النزاعات الإقليمية بل بتحويلها إلى فرص لاقتناص المشاريع التجارية الناجحة.

***

خلاصة الأمر: سر النجاح تمثل بالموقع الجغرافي، وتحويل تهديدات الأطماع الخارجية إلى فرص اقتصادية، والعامل الثالت يكمن في الإدارة الجيدة.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة