أشرنا في المقال السابق إلى أن هناك قصوراً مُعيباً في السياسات الحكومية المتعلقة بمحاربة قضايا الفساد عامة والحد من انتشارها، لذلك فإن فضائح الفساد بشتى أشكالها لن تتوقف، إذ سنكتشف المزيد منها كل يوم، ومن ضمنها تلك التي لها صلة مباشرة بصحة الإنسان مثل فضيحة اللحوم الفاسدة.
واليوم ها هي فضيحة اللحوم الفاسدة التي استهلكها الناس قد بدأت تتدحرج وتكبر شيئاً فشيئاً ككرة الثلج التي تتكشف معها تفاصيل جديدة ومثيرة، الأمر الذي يوضح أن محور القضية-الفضيحة ليس مسألة ضبط شركة أو اثنتين فاسدتين تبيعان بعض اللحوم المسمومة فحسب، بل معرفة طبيعة العلاقة التي تربط بين هذه الفضيحة وعملية استشراء الفساد ببعض الإدارات والأجهزة الحكومية أيضاً، وهو ما يتعين على الحكومة أن تبيّنه وتتصرف بناء عليه.وفي هذا السياق فإن تصريح الوكيل المساعد لشؤون الرقابة التجارية في وزارة التجارة عبدالعزيز الخالدي الذي حاول به تبرير فضيحة اللحوم الفاسدة والمواد الغذائية المنتهية الصلاحية كان تصريحاً ملتبساً يثير العديد من الأسئلة، ويدين الوزارة أكثر من كونه يبرئها، وبالذات عندما ذكر أن "الوزارة رصدت في الآونة الأخيرة وبعد حملة مفاجئة على أحد مخازن الشركات المختصة مئات الخراف المجمدة المنتهية الصلاحية منذ أعوام، حيث عمدت الشركة إلى تخزينها بدلاً من إتلافها بالتنسيق مع البلدية. كما شهدت الأيام القليلة الماضية إغلاق 30 ملحمة بالشمع الأحمر وإحالتها إلى النيابة بعد أن وجدت كميات من اللحوم "المسيَّحة" التي تباع على أنها طازجة، ما يعد غشاً تجارياً يخالفه القانون ويجرمه"- ("الراي" 15 نوفمبر 2010).هذا الموقف الحكومي الذي عبر عنه الأخ الخالدي يجعلنا نتساءل هنا: ترى أين كانت أجهزة الرقابة الحكومية طوال المدة الماضية؟ ولماذا لم يتم اكتشاف الفضيحة قبل أن "تقع الفأس في الرأس" وتذهب صحة الناس ضحية لإهمال الأجهزة الحكومية وتقاعسها عن أداء واجباتها؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ وما جزاؤه؟ وكم عدد من تضرروا من المستهلكين؟ وما الأضرار الصحية التي أصابتهم من جراء استهلاك اللحوم الفاسدة والمواد الغذائية المسمومة؟ ومن سيعوض الناس عن الأضرار أو الأمراض التي أصابت صحتهم وصحة أطفالهم وذويهم؟أما الأمر المثير للضحك حقاً على اعتبار أن "شر البلية ما يضحك" هو قول الأخ الخالدي في تصريحه آنف الذكر "إن الوزارة ستكون بالمرصاد لأي تاجر تسول له نفسه الغش والتلاعب بالأسعار أو التعامل باللحوم الفاسدة سواء المستوردة من الخارج أو تلك التي فسدت وهي في عهدة التاجر، وسيتم التعامل معهم بقسوة ودون رحمة مع غلق المحل وتحويل التاجر إلى النيابة التجارية". وهنا ليسمح لنا الأخ الخالدي أن نسأله سؤالاً أخيراً سألناه في المقال السابق ونعيده هنا بمناسبة قوله إن "الوزارة ستكون بالمرصاد"، وهو: لماذا لم تعلنوا صراحة أسماء الشركات والمحال التجارية التي ضبطتموها تبيع مواد غذائية فاسدة ولحوماً مسمومة حتى يتجنب الناس بضائعها لاسيما أن صحتهم هي الضحية المباشرة لها؟وعلى الضفة الأخرى فإن فضيحة تسرب الغاز في منطقة الأحمدي السكنية الذي يهدد أرواح سكان المنطقة وصحتهم تعتبر أيضاً دليلاً آخر على ضعف أنظمة الرقابة والمتابعة في الأجهزة الحكومية، وشاهداً حياً على الفساد وضعف الشعور بالمسؤولية الأخلاقية للوظيفة العامة لدى بعض المسؤولين العموميين، وهو الأمر الذي شجع ويشجع على انتشار حالات الفساد والإفساد التي يكثر بعض مسؤولينا، بمن فيهم أعضاء مجلس الأمة، الحديث عنها لكنهم لا يفعلون شيئاً ملموساً لوقفها أو حتى الحد منها مما يعني أنهم شركاء في تحمل المسؤولية.
مقالات
لحوم فاسدة وغازات سامة
17-11-2010