هناك تحولات تشير إلى أن «ثورة الشبان»، وخصوصاً في مصر، باتت تجنح نحو تدمير صورة الدولة لدى شعبها، وربما يكون هذا هو الذي جعل رئيس الوزراء التونسي المكلف الباجي قائد السبسي يقول في أول إطلالة له على التونسيين بعد غياب طويل، إن أول مهامه ستكون استعادة هيبة الدولة، وإن أول عمل سيقوم به هو ضبط الأمن، لأن انفلات الأمن وعدم القدرة على تطبيق القوانين سيدمر الدولة وسيضرب هيبتها.

Ad

ولعل ما جعل السبسي يضع مسؤولية استعادة هيبة الدولة على رأس أولوياته هو حالة التسيب التي عمت البلاد بعد الحركة الشعبية التي أطاحت نظام زين العابدين بن علي أو جزءاً منه، فهناك دائماً وأبداً، حتى في أهم الثورات التاريخية، تبرز مجموعات فوضوية ويبرز زعران لاستغلال غياب الدولة أو ارتخاء قبضتها فيعتدون على أموال الناس وأعراضهم وأرواحهم، وهذا ما حصل أيضاً حتى خلال الثورة «البولشفية»، وبالطبع قبل ذلك خلال وبعد الثورة الفرنسية التي لا تزال توصف بأنها أم الثورات.

ويقيناً إذا استمرت الأمور على هذا النحو وإذا بقي الشبان الثائرون يتطاولون على النظام العام ويطبقون قوانينهم الخاصة على مؤسسات الدولة فإن هذا إن لم يتم التصدي له بسرعة فسيؤدي حتماً إلى الفوضى غير الخلاقة، وسيفسح المجال لما يسمى القوى المضادة للتسلل من خلال ميدان التحرير لحرف المسار العام لهذه الحركة الاجتماعية عن خطه، ولتكون هناك محاكم تفتيش، وبالتالي وأْد هذه المظاهرة التاريخية ليقوم على أنقاضها نظام زجري قمعي، وهذا ما حصل في دول كثيرة.

لقد رقص الناس وتظاهروا وهتفوا لشبان الشوارع والميادين العامة في كل الدول العربية التي غشيتها هذه الموجة، لكن هؤلاء إذا استمرت حالة الفوضى وعدم الاستقرار فسينقلبون حتماً ضد هذه الثورة، وسيبدأون بمطاردة شبانها في كل مكان، والمفزع حقاً أن هناك من بدأ يترحم على نظام الرئيس حسني مبارك وحتى على نظام زين العابدين بن علي، فالثورة جميلة وتثير الخيال، لكنها إن هي لم تضمن الأمن والاستقرار وضبط الأمور فإنها ستتحول إلى نقمة، وستنتهي نهاية مأساوية لا محالة.

ولهذا فإنه على هؤلاء الثوار سواء في مصر أو تونس أو في البحرين أو اليمن ألا يطيلوا فترة الفوضى وألا يحولوا هذه المظاهرات إلى عبءٍ على حياة الناس، فالمواطن العادي، حتى الذي صفّق وهتف لهذه الثورة الشبابية، يريد لأبنائه أن يذهبوا إلى المدارس، ويريد للحياة العامة أن تُستأنف، ويريد عودة الأمور إلى ما كانت عليه بسرعة، وهذا يجب أن يفهمه هؤلاء الشبان والذين يقفون وراءهم وإلا فإن هذه المظاهرة الواعدة ستنتهي نهاية مأساوية، وإن استبداداً أشد وأقسى من السابق سيعم هذه المنطقة سنوات طويلة.