الأزمات والصراع السياسي دلالة على حيوية المجتمعات، ورغبتها في التغيير. وهي دلالة على حراك اجتماعي فاعل بغض النظر عما يبدو من مظاهر سلبية تطفو على السطح أثناء ذلك الصراع. فالصراع والاختلاف هما الطبيعة العلمية للمجتمعات، وعبر تاريخ القرنين الماضيين اتضح اتجاهان للتعامل مع ظاهرة الصراع والاختلاف، الاتجاه الأول كان قمع الطرف الآخر بالكامل وإقامة سلطة مركزية تحكم بالحديد والنار فإن أمكن بالترغيب والترهيب، وهو على أية حال، لا إبداع فيه ولا تجديد. أما الاتجاه الثاني فهو ابتداع أسلوب جديد يقوم على تداول السلطة السلمي، وقبول التعددية في المجتمع، وتأسيس المجتمع على مبادئ العدالة وسيادة القانون، واحترام الأغلبية للأقلية دينية كانت أم فكرية أم عرقية أم غير ذلك.

Ad

وقد اتضح لنا أن الدول التي استقرت فيها الديمقراطية هي التي أصبحت دولاً متقدمة صناعياً وعلمياً وفكرياً وحرية.

كما يتضح أننا في الكويت مازلنا نراوح بين الديمقراطية والسلطة المركزية، وقد اتضح لنا ذلك منذ صدور الدستور 1962، إذ لم يسلم من العبث والتدجين والتهميش والتفريغ منذ 1965، حتى الأزمة الأخيرة. وقد آن الأوان للجميع حكومة ونواباً وشعباً أن يستقروا نهائياً على مبادئ الدستور، وأنه وجد ليبقى ومن ثم تتم الإصلاحات السياسية على أساسه.

وبما أن الأزمة الأخيرة التي تجلت في التصويت على طلب عدم التعاون مع سمو رئيس الوزراء هي ليست إلا فصلاً في كتاب الأزمات حول استقرار الدستور فإن نوعية الأزمات ونمطها يختلف عبر الوقت والمكون الاجتماعي في لحظة هذه الأزمة أو تلك. ولن يجدي نفعاً كم النصائح التي يدبجها القائلون هنا أو هناك على مسارات الأزمة، بل سيكون الفعل الحقيقي هو لطبيعة التحول الاجتماعي.

وعلى الدوام، وفي كل أزمة مضت أو ستأتي سنجد فيها، إن فتحنا عيوننا وعقولنا، ما هو سلبي وما هو إيجابي.

وبما أننا مازلنا بحاجة إلى مزيد من الدراسة وتفكيك مكونات الحراك السياسي - الاجتماعي، فإنه بات واضحاً من المؤشرات الأولية أن هناك حراكاً شبابياً أخذ على عاتقه قيادة وتفعيل الحركة الإصلاحية، ويمثل هذا التيار الشبابي تنوعاً وتفوقاً على الصيغ التقليدية الطائفية والقبلية والفئوية التي تبدو لنا هي الظاهرة في أدوات الصراع. ويبدو أيضاً أن ذلك الحراك الشبابي منتشر بين كل الفئات دون استثناء.

وهكذا فإن الموقف المسؤول والوطني الذي اتخذه د. حسن جوهر بتصويته ضد التعاون مع سمو الرئيس لابد أنه قد أخذ في اعتباره أن هناك رؤى أخرى في ما يبدو أنه لون واحد. بالمقابل فإن الموقف الذي اتخذته بعقلانية ومسؤولية ووضوح النائبة الدكتورة أسيل العوضي مبكراً خلال الأزمة كان إضافة نوعية.

لماذا نخص د. حسن ود. أسيل بالذكر هنا؟

لو لم يصوت د. حسن مع عدم التعاون لقيل حينها إن كل الشيعة في اتجاه واحد، ولو لم تصوت د. أسيل مع عدم التعاون لقيل حينها إن كل النساء من لون واحد. وفي كلتا الحالتين اللون الواحد ضد الطبيعة، وضد التنوع في المجتمع، وضد الحرية. ويكفي أن نذكر أنه ومع صدور الدستور 1962 أصبح لدينا علم جديد من أربعة ألوان بعد أن كان لدينا علم من لون واحد.

شكراً حسن وشكراً أسيل لأنكما أضفتما للمجتمع بفرشاتيكما ألوانه الطبيعية، فالرمزية مهمة في تطور المجتمعات.