حطّ في بيروت أمس، الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، في زيارة تستغرق يومين، بدأها باستقبال شعبي على طريق المطار، ثم استقبال رسمي جامع في قصر بعبدا، قبل أن يشارك في احتفال شعبي في الضاحية الجنوبية لبيروت، بينما من المتوقع أن يزور اليوم جنوب البلاد.

Ad

وصل رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمود أحمدي نجاد إلى بيروت أمس، في زيارة "مزدوجة"، اكتسبت طابعاً رسمياً ودبلوماسياً ظهراً قبل أن تطلى بصبغة حزبية ليلاً في ملعب "الراية" في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث أقام له "حزب الله" وحركة "أمل" احتفالاً حاشداً ألقى خلاله أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله كلمة عبر شاشة، أعقبتها كلمة لنجاد حيا فيها الشعب اللبناني وهاجم إسرائيل، متطرقاً إلى موضوع اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري والمحكمة الدولية.

المطار

وحطت طائرة نجاد عند التاسعة صباحاً في مطار رفيق الحريري الدولي، حيث أقيم له استقبال رسمي، لكن حسب البرتوكول الإيراني، إذ لم يقم الرئيس اللبناني ميشال سليمان باستقباله في المطار، فأقيمت مراسم الاستقبال الرسمي في القصر الجمهوري.

وكان في استقبال نجاد على أرض المطار رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلاً الرئيس سليمان، ووزير الخارجية علي الشامي، والوزير محمد فنيش، ورؤساء الكتل النيابية والنواب والسفير الإيراني غضنفر ركن أبادي وأركان السفارة، إضافة إلى حشد من الجالية الإيرانية في لبنان.

وكان من بين مستقبلي نجاد، والد عماد مغنية، الذي اغتيل في سورية عام 2008، وأعلن تلفزيون "المنار" أن الدعوة وجهت شخصياً إلى والد مغنية من قِبَل منظمي الزيارة، وتعتبر بمنزلة دعوة رسمية من الرئيس الإيراني شخصياً. وقد ارتمى والد مغنية في أحضان نجاد وتبادلا القبلات.

ونُظِّم استقبال شعبي على طريق المطار، شارك فيه الآلاف من اللبنانيين، الذين حياهم نجاد عبر سيارة مكشوفة طوال الطريق.

القصر الجمهوري

وتوجه نجاد من المطار في موكب رئاسي إلى قصر بعبدا، وكان في استقباله الرئيس سليمان، حيث أطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيباً بالضيف، وعزف النشيدان الوطنيان الإيراني واللبناني. وبعدها استعرض الرئيسان حرس الشرف، ثم صافح نجاد الشخصيات اللبنانية المستقبلة.

وعقد الرئيسان محادثات موسعة حضرها الوفد المرافق له ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، أعقبها توقيع 13 اتفاقية تعاون بين البلدين، في مجالات متعددة.

وبعد انتهاء اللقاء الموسع توجه الرئيسان إلى حديقة الرؤساء يرافقهما الرئيس الحريري، حيث زرع نجاد أرزة الصداقة اللبنانية- الإيرانية ليوقع بعدها في السجل الذهبي بصالون السفراء.

مؤتمر مشترك

بعد ذلك، عقد الرئيسان مؤتمراً صحافياً مشتركاً، اعتبر فيه نجاد أن "لبنان يتميز بموقع رفيع على المستوى العالمي"، لافتاً إلى أن "صمود لبنان يستحق المديح قبالة العدو الصهيوني، وهو قد بعث الفخر إلى جميع أبناء المنطقة، وهو يمثل لواء العزة والحرية".

وقال نجاد: "نحن شعبان نطلب العدالة، ولدينا مصالح مشتركة ولدينا أعداء مشتركون"، مضيفاً: "كانت محادثاتنا بناءة وجيدة جداً. وفي ما يتعلق بالتعاون الثنائي، أكدت أن التعاون بيننا لا حدود له، ووقعنا العديد من الاتفاقات في شتى المجالات". وأضاف: "لا بد أن تحل القضية الفلسطينية على أسس العدالة وأن يعود أبناء فلسطين إليها، وأن تحرر كل الأراضي المحتلة"، مردفاً: "ندعم لبنان كاملاً وندعو إلى تحرير كل الأراضي المحتلة في لبنان وسورية".

وطالب نجاد بأن "يكون لبنان متحداً وقوياً، ونقف إلى جانب الحكومة والشعب كي يحقق هذا الشعب كل أهدافه". وإذ رأى أن "منطقتنا لا تحتاج إلى تدخل القوى الإقليمية والأجنبية"، طالب بـ"منطقة ملؤها الهدوء والاستقرار والتطور، وأن يكون لهذه المنطقة علاقات جيدة مع جميع الدول".

ورداً على سؤال، أجاب نجاد: "نرغب في زيادة تعاوننا في جميع المجالات، وليس هناك أي مانع لأي تعاون. ورسالتنا إلى الشعب اللبناني هي الوحدة والتآزر والسعي من أجل البناء وعزة لبنان الشقيق وصموده".

وبعد أن قدم الرئيس الإيراني جهازاً للبحوث العلمية كهدية للرئيس سليمان، قال: "هذا الجهاز من أجل البرامج البحثية والعلمية، ويصنع فقط في 6 دول"، وأضاف: "هذا الجهاز قد تم صنعه بالكامل من قِبَل العلماء الإيرانيين، وأنا أقدم هذا الجهاز من صميم قلبي إلى أخي العزيز فخامة الرئيس وإلى الشعب اللبناني".

من جهته، أبدى الرئيس سليمان سعادته بلقاء نجاد، قائلاً: "لقد أجريت معه محادثات ذات اهتمام مشترك، واستعرضنا الأمور التي تخص بلدينا من دولة إلى دولة، وهو ما يخدم المصلحة المشتركة لبلدينا"، شاكراً نجاد على "وقوف إيران الدائم إلى جانب لبنان في وجه الاعتداءات الإسرائيلية الدائمة".

وقال سليمان: "استطاع لبنان دحر العدوان الإسرائيلي بفضل شعبه وجيشه ومقاومته"، مؤكداً للرئيس نجاد "حرص لبنان على العمل لإجبار إسرائيل على تنفيذ مقررات الأمم المتحدة". وأوضح أنه "تم توقيع مذكرات التفاهم ولا سيما في مجال الاقتصاد والتجارة والبيئة والمياه والكهرباء، كما تم التأكيد على صون الوحدة الوطنية، وهو ما يساعد على مواجهة المخاطر والمؤامرات التي تسعى إلى زرع الفتنة بين اللبنانيين ونشر بذور الفوضى والتشرذم في المنطقة ككل".

وشدد سليمان على "حرص لبنان على تنفيذ القرار 1701 في جميع مندرجاته، ولا سيما الانسحاب الكامل وغير المشروط من جميع الأراضي اللبنانية التي مازالت تحت الاحتلال"، لافتاً إلى أن المحادثات "تطرقت إلى الإرهاب الدولي والفرق بينه وبين المقاومة"، مؤكداً "حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وحق إيران في استعمالها".

وتابع: "نحن بصدد توقيع اتفاقيات أخرى وسنوقعها في أسرع وقت ممكن، وهذه شملت وستشمل جميع المواضيع وسنبحث في كيفية إيصال الغاز إلى لبنان واستيراد الكهرباء من إيران إلى لبنان، وهذه ستتم عبر دول أخرى مثل تركيا، وسنبحث موضوع تزويد لبنان ببعض المشتقات النفطية"، مشيراً إلى أن "هذا الأمر ليست بمستغرب لأن إيران وقفت دائماً إلى جانب لبنان ونحن نعبر عن الشكر لوقوفها إلى جانبنا في تصدينا لإسرائيل، وقد وقفت إلى جانبنا في حرب تموز وساهمت في الإعمار".

بعد ذلك، توجه نجاد إلى وسط بيروت ليضع إكليلاً من الزهر على نصب الشهداء في حضور عدد من الوزراء وقائد الجيش، وأعضاء من الوفد الإيراني.

وحضر الغذاء الرسمي في بعبدا أركان الدول اللبنانية وأقطاب "الحوار الوطني"، وبينهم رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع.

وقال جعجع إن "زيارة الرئيس الإيراني للبنان "هي ‏زيارة رئيس دولة لرئيس دولة"، لافتاً إلى أن "كلام أحمدي نجاد معتدل، والمهم أنه صدر من قصر بعبدا"، وتمنى "لو أن الجميع ‏يقتدون به وبخطاباته".

وعن عدم وضع "فيتو" على أي جهة سياسية للمشاركة في مأدبة الغداء على شرف الرئيس الإيراني، بعكس ما حصل خلال ‏مأدبة الغداء في القمة الثلاثية اللبنانية – السعودية – ‏السورية، رأى جعجع في دردشة مع الصحافيين قبيل مغادرته قصر بعبدا، أن "هذا الأمر إيجابي بعكس القمة الثلاثية".

ملعب «الراية»

ووصل نجاد عند الساعة السابعة مساءً إلى ملعب "الراية" في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث ألقى نصرالله كلمة قال فيها: "أشهد أمامكم أن إيران التي كانت دائماً تدعمنا، ومازالت، لم تتطلب مني في يوم من الأيام موقفاً ولم تصدر أمراً ولم تتوقع منا شكراً، مع أننا نفتخر بإيماننا العميق بولاية الفقيه العادل والحكيم والشجاع".

وأضاف: "ليس لدى إيران مشروع خاص، مشروعها في لبنان هو مشروع اللبنانيين، ومشروعها في فلسطين هو مشروع الفلسطينيين، وما تقوم به إيران في منطقتنا أنها تؤدي واجبها الإلهي وهي منسجمة مع عقيدتها ودينها".

وخطب نجاد في ملعب الراية، فحيا الشعب اللبناني "بكل أطيافه وطوائفه ونخبه وعلمائه".

وقال نجاد: "في لبنان نجد أن يد الغدر الآثمة قد امتدت الى صديق عزيز وشخصية غيورة على وطنها، ثم نرى كيف تلفق الأخبار لتوجيه الاتهامات الى بقية الأصدقاء سعيا للوصول الى مرامي باطلة عبر زرع بذور التشرذم"، في إشارة الى جريمة اغتيال الحريري.

وهاجم نجاد الولايات المتحدة وإسرائيل بشدة، وقال: "أطلب من بعض دول المنطقة أن تسمح للناس بالتعبير بحرية عن رأيها حول المهيمنين وجرائم الكيان الصهويني، وان تسمح للناس أن تقدم دعمها للشعب الفلسطيني المظلوم، ولا شك أن أي دولة او شخص وبأي شكل يسعى إلى الاعتراف بالكيان الصهويني ومنحه فرصة بتجديد قواه سيكون معزولا ومدانا من قبل شعوب المنطقة".

وجدّد نجاد تشكيكه في أحداث 11 ستبمبر 2001، قائلاً إن "تشكيل فريق مستقل للتحقيق في احداث 11 سبتمبر المؤسفة في اميركا هو مطلب الشعوب كلها، وعدم تنفيذ ذلك يؤكد ان أحداث 11 سبتمبر كانت مدبرة مسبقاً والأهداف وراءها أيضاً كانت مدبرة مسبقاً".

ردود

وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس، أن "واشنطن ترفض أي محاولات لزعزعة استقرار لبنان"، وذلك ردّاً على سؤال بشأن زيارة نجاد للبنان.

وأملت كلينتون "ألا يقوم أي زائر بأي عمل أو يقول أي شيء من شأنه أن يزيد التوتر أو عدم الاستقرار في هذا البلد". وشددت على أن "واشنطن تدعم سلامة وسيادة لبنان"، قائلةً: "نحن جد مصممون على دعم الحكومة اللبنانية التي تواجه تحديات عدة"، لافتةً إلى أن "التوازن داخل لبنان يجب أن يبقى".

إلى ذلك، أعلن البيت الأبيض أن زيارة الأخير للبنان "تبين أنه يواصل استخدام أساليبه الاستفزازية".

إلى ذلك، دعا النائب الإسرائيلي اليميني المتشدد ارييه الداد أمس، إلى اغتيال الرئيس نجاد أثناء زيارته المثيرة للجدل إلى لبنان.

وقال النائب عن حزب الاتحاد الوطني المعارض (أربعة نواب من 120): "إذا وجد نجاد ولو للحظة واحدة في منظار بندقية جندي في الجيش الإسرائيلي فينبغي قطعاً منعه من العودة إلى دياره حياً".

وكان قرابة 100 إسرائيلي تظاهروا ظهراً عند الحدود مع جنوب لبنان، قرب "بوابة فاطمة"، وأطلقوا بالونات تحمل ألوان العلم الإسرائيلي، تجاه الأراضي اللبنانية، بينما سجّل تحليق كثيف للطيران الحربي الإسرائيلي فوق الجنوب.