أقوال المستشرقين ليست حقائق علميَّة الباحث أحمد العنزي: الجمعيّات النسويَّة في أوروبا تكافح لأجل احترام المرأة!
أحمد عقلة العنزي باحث من جيل الشباب المنفتح على الثقافات والدراسات الفلسفية المعاصرة، فهو حاصل على الماجستير من جامعة Université de Franche comte في موضوع «خطاب الجسد عند ميشيل فوكو». كذلك يستعد راهناً لمناقشة الدكتوراه لجامعة Université de Vincennes-Paris 8 في موضوع «فلسفة الجنون عند ميشيل فوكو».يرى في حديثه إلى «الجريدة» أن انفتاح المرأة الكويتية على الحياة الاجتماعية والعملية أدى إلى تبدل مفاهيم كثيرة وتغير شكل الأسرة الكويتية النمطي. كذلك ينتقد قانون الأحوال الشخصية في الكويت على اعتبار أنه ظلم المرأة والرجل على السواء. وفي ما يتعلق بـ{التنوير الفكري»، يوضح أن المصطلح بات مشوشاً ويُستخدم لأغراض «غير تنويرية».
في الحوار التالي، تحدث العنزي أيضاً عن الهوية الثقافية الكويتية، وقانون الجنسية، وعن بعض آراء المستشرقين المتعلقة بالإسلام.هل تعتقد أن المرأة في الكويت نالت حقوقها الاجتماعية والثقافية؟قطعت المرأة الكويتية شوطاً كبيراً نحو حقوقها الثقافية والاجتماعية مقارنة بقرينتها الخليجية, ما أثَّر في الصورة الثقافية والاجتماعية في الكويت عموماً. فدخول المرأة في الحراك الثقافي والاجتماعي دفع المجتمع إلى تغيير كثير من مفاهيمه ليس في ما يخص المرأة فحسب بل في ما يتعلّق بالثقافة والتطور عموماً. مثلاً، تغير شكل الأسرة الكويتية النمطي, وأصبحت أصغر عدداً من السابق، لا سيما أن المرأة تعمل وتتعلم وتشارك في الشأن العام ومن الطبيعي تقليص عدد الأبناء.حصول المرأة على حقوقها الاجتماعية يرتبط بنظام الأسرة ككل وبتغيير في فلسفة الإنجاب، ما يؤدي إلى تطور اجتماعي. والتحليل نفسه ينطبق على محور الحقوق الثقافية، فدخول المرأة كعنصر في الشأن الثقافي (كانت تقوم بنشاط ثقافي قديماً لكنه كان مغيباً) يغير بلا شك من صورة الكويت الثقافية ويضفي عليها الطابع النسوي، إذ أصبحنا نتحدث اليوم عن النتاج الأدبي النسوي أو الفكري النسوي، أي نبحث عن موقع المرأة في المنجز الثقافي عموماً.هل ثمة هوية ثقافية كويتية؟للأسف، التاريخ لا يقول ذلك. لا توجد هوية ثقافية كويتية أصيلة أي ذات جذور كويتية. فالمشهد الثقافي الكويتي قبل النفط وحتى منتصف الستينيات هو حصيلة تثاقف بين ثقافتين رئيستين هما ثقافة أهل الإحساء وثقافة عراقية رافدها البصرة، إضافة الى الحركة التنويرية التي بدأها الإصلاحيون العرب أمثال الطهطاوي ومحمد عبده وامتد تأثيرها إلى الكويت حيث قُمعت من السلفيين.أنظر إلى الفن في الكويت تعرف مصادر الثقافة الكويتية، فالعرضة والسامري مصدرهما الجزيرة العربية، وحتى مصدر أهازيج البحر ورقصة اليامال هندو – أفريقي، «فالطنبورة» مثلا وهي أداة موسيقية أفريقية وصلتنا عن طريق عمان. باختصار، الثقافة التي نسميها كويتية هي حصيلة التقاء حضارات وثقافات متعددة شكلت في مجموعها زياً كويتياً، وهنا قد نسمي هذا الامتزاج الثقافي بالثقافة الكويتية. يقول بعض المستشرقين إن المنطقة العربية الإسلامية تملك إرثاً حضارياً وتاريخياً في اضطهاد المرأة يصعب التخلص منه، ما رأيك؟قول المستشرقين هذا ليس من قبيل الحقائق العلمية, والواقع التاريخي يؤكد أنه لا يوجد مجتمع إنساني لا تعاني فيه فئات معينة التهميش كما تعانيه المرأة الآن في أوروبا. ألم يسمع هؤلاء المستشرقون بالجمعيات النسوية في فرنسا وبلجيكا التي تكافح لأجل احترام كيان المرأة ومحاربة تشويهها في وسائل الإعلام التي تحوّلها الى سلع للعرض والتسويق التجاري؟ فلتسويق عطر مثلاً تحول الشركات المنتجة والإعلامية جسد المرأة الى سلعة رخيصة جداً على اعتبار أنه الطريقة السهلة للوصول الى المستهلك. أما في المنطقة العربية، فثمة حالات اضطهاد للمرأة وحالات أشد اضطهاداً للرجل أيضاً. لكن يجب أن نكون حذرين مما يروجه المستشرقون. فهم أيضاً يخدمون مؤسسات علمية وتجارية لأهداف قد لا نعرفها, وبعيدة عن العلم والموضوعية.قانون الأحوال الشخصية المعمول به في الكويت، هل يكفي وحده لإنصاف المرأة ومنحها حقوقها؟هذا القانون، وأقولها بالفم المليان، ظلم المرأة والرجل على السواء. فالحقوق المبالغ فيها التي تحصل عليها المرأة عند طلاقها شجعت الطلاق في الكويت ليصبح من بين النسب الأعلى عالمياً، وهذه ظاهرة مخيفة الى درجة أنها كرّست ما يمكن أن أسميه «الاتجار بالطلاق» الذي يلجأ اليه بعض المطلقات وبعض ضعاف النفوس. دعني أتوقف قليلاً عند هذا القانون وخلفياته السيكولوجية. يبدو قانون الأحوال الشخصية وكأنه صيغ تحت ضغط نفسي يعانيه الرجل تجاه المرأة الكويتية ، إذ يشعر بأنه ظلمها وعليه أن يعوضها. فالقانون صادر في عام 1984 وآنذاك لم تكن المرأة قد حصلت على حقوقها السياسية والاجتماعية كما اليوم. وخلال الثمانينيات كانت الكويت تعيش حراكاً سياسياً للمطالبة بتوسيع حقوق المرأة يقابله عناد من جهة الإسلاميين، وكان طابع الكويت العام آنذاك يتجه إلى المحافظة لا الانفتاح كما هي الحال في السبعينيات. أمام تقييد حرية المرأة، ولد هذا القانون الذي يبدو لي أنه أراد أن يعوّض على المرأة النقص في حقوقها الاجتماعية. إنه باختصار نتيجة أزمة وحالة انفصام عاشها الرجل الكويتي تجاه المرأة، فأراد التكفير عن ذنبه عبر صياغة قانون حول التقييد من حرية الرجل الذي يطلق زوجته, ما أساء للمرأة والرجل على السواء. فلو ذهب الأزواج المتخاصمون إلى المحاكم لقضوا على مفهوم الأسرة بسبب فجاجة هذا القانون، لكن عائلات كويتية تحلّ مشاكلها في بيوتها وفي نطاق ضيق. يقول بعض الفقهاء إن حق إعطاء الطلاق للرجل له مبرراته، ذلك أن الرجل هو المتضرر من الطلاق لما يستلزم عليه، من نفقة الأبناء والزوجة والمؤخر وخسائر مادية أخرى، ما رأيك؟لا أريد أن أنادي بالمساواة المفرطة بين الرجل المرأة، ولا بأن الرجال قوامون على النساء، فالاتجاهان إما إفراط أو تفريط. عموماً، أعتقد أن العصمة لو كانت بيد المرأة لازدادت نسبة الطلاق في مجتمعنا, لأن هذه المسألة ليست مرتبطة بالمال فحسب, والأصل في حق الرجل في الطلاق يعود إلى طبيعة الأخير نفسه. فطبيعة المرأة مختلفة عن الرجل، هي تملك القدرة على التخطيط البناء أكثر من الرجل، فيما يتصف هو بتحمّل الشدائد والجلد أكثر منها. تطالب المرأة المتزوجة من غير بلدها بمنح جنسيتها لأبنائها، الأمر الذي ترفضه تشريعات عربية كثيرة من بينها الكويتية، ما رأيك؟أعتقد بأن السودان هو البلد العربي الوحيد الذي يحق للمواطنة فيه توريث جنسيتها لأبنائها كالرجل تماماً, ولاحظت أن هذا الحوار يدور راهناً في معظم الدول العربية، في سورية والأردن وليبيا والمغرب العربي وحتى دول الخليج. ويدلّ الحراك باتجاه طرح هذه المسألة على البرلمانات العربية إلى حاجة المرأة العربية عموماً والكويتية خصوصاً أن تمنح الجنسية لأبنائها.بالنسبة إلى الكويت، ينظر مجتمعنا إلى قضية الجنسية والتجنيس على أنها «تابو»! حتى أن القضاء لا يحق له النظر فيها. شخصياً، أعتقد أن أي بلد يريد أن يصبح مدنياً وديمقراطياً لا مفر له من النظر في مثل هذه القضايا في البرلمان والقضاء. هل إنصاف المرأة ونيل حقوقها مفتاح حقيقي لتطور المجتمعات؟نعم بالتأكيد, فعدم إنصاف المرأة والطفل وجميع من يشعر بالتهميش والظلم أحد أسباب تراجع المجتمعات وتخلفها. ولا يمكن لمجتمع أن يستقيم من دون أن يرفع من مكانة المرأة وينصفها ويحترم كيانها ويدعها تتكلم بلسانها لا أن يتكلم أحد نيابة عنها.يتحجج المعارضون لنيل المرأة حقوقها بأنها حتى في البلاد الغربية المتطوّرة تُضرب ويُمارس ضدها العنف والتمييز، على رغم توافر قوانين تكفل حقوقها.هذا الكلام صحيح نسبياً. تواجه المرأة، كما ذكرت لك, حتى في المجتمعات الغربية أشكالاً متنوعة من الامتهان والإذلال لربما أشد من تلك الموجودة في مجتمعاتنا. والأخيرة على رغم أنها ما زالت متخلفة، إلا أنها تحافظ على كيان المرأة لأن الإسلام كرّم الأخيرة وانتشلها من عبودية الجاهلية. لكن الثقافة العربية، ولا أقول الإسلامية، هي التي شوَّهت المرأة عندما جعلت الرجل المتحدث بإسمها، فهي، والى وقت قريب جداً (نهاية القرن التاسع عشر)، بدأت تتكلم وتنتج أعمالاً أدبية وثقافية بلسانها ولغتها الخاصة على رغم أن هذه اللغة ما زال يسكنها الرجل.أما في المجتمعات الغربية فأزمة المرأة الحقيقية تظهر مع الرأسمالية ومجتمع السوق، فالرأسمالية التقليدية تفننت في تحويل الرجل الى آلة إنتاج من دون مراعاة إنسانيته، فيما لا تختلف عن ذلك «النيو رأسمالية» سوى بأنها تفننت في امتهان المرأة لتحويلها إلى مجال للبيع والشراء. أنظر إلى مهرجانات الأوسكار مثلاً، لا بد من حضور امرأة حسناء تقبّل الفائزين وتسلمهم جوائزهم, وحتى الكتاب يجب أن يُزين غلافه بصورة امرأة ترتدي نظارة مثلاً وتدعوك إلى قراءته. باختصار، المرأة الغربية تخضع لقانون السوق وتهان بحسب شروطه وقوانين الرأسمالية البشعة.هل لفترة ظهور النفط أثر في نظرة المجتمع إلى المرأه. بمعنى هل ساعد ظهور النفط على تطوير فكر المرأة في الكويت؟أثّر ظهور النفط في الحياة العامة، فكيف لا يؤثر في وضع المرأة الكويتية؟ ظهور النفط هو تحوّل اقتصادي كبير في الكويت، بدأ مع حياة الترف والرخاء والتحول المدني وما رافقه من تشييد للمدارس والمستشفيات، وقد انضمت المرأة إلى هذه الميادين حتى وإن على استحياء في بداية الأمر. لذلك تغيرت النظرة إليها في المجتمع الكويتي, وطالما أنك تسأل عن «تطوير فكر المرأة في الكويت» فدعني أسجّل أمراً بهذا الخصوص: المراجع التي تكلمت عن تاريخ الكويت قبل النفط تكاد لا تذكر، أي دور للمرأة في تلك الفترة وكأنت مغيبة عن الواقع الاجتماعي. لكن هل وضع المرأة بعد النفط أفضل من وضعها قبل النفط؟ واقع الكويت الاجتماعي قبل النفط كان بسيطاً جداً, فنظام الأسرة كان تقليدياً والأمر نفسه بالنسبة إلى الزواج والأعراس، لكن على رغم ذلك ثمة إشارات لدور المرأة في مجتمعنا القديم المساند للرجل في غيابه حيث كانت المرأة لا الرجل هي المعيل للأسرة وكانت تستقبل الضيف وتقوم بالواجب كالرجل. وثمة شاعرات وراويات ظلمهن التاريخ, وتقاليد الأعراس توضح لنا هذه اللمحات الفنية لدى المرأة. باختصار، الثقافة النسوية في الكويت قبل النفط كانت أكثر أصالة منها بعد النفط على رغم بساطتها وقلة المرويات عنها، بل أجزم بأن التاريخ قد غيَب دورها بشكل متعمد لأن الرجل هو من كتبه.كيف تنظر إلى غياب المرأة الكويتية عن ميادين حقوق الإنسان والمجال التنويري الفكري؟ هل للأمر علاقة بالحياة المترفة في الكويت؟{التنوير الفكري»، كما أظن، مفهوم مشوش في واقعنا العربي عموماً. لا أعتقد أن للأمر علاقة بالحياة المترفة، بل بفكرة التنوير ذاتها. فالفلاسفة أنفسهم الذين طرحوا سؤال التنوير مثل إيمانويل كنط وفولتير وميشيل فوكو لم ينتزعوها من سياقها الاجتماعي والسياسي. أما في واقعنا العربي عموماً والكويتي خصوصاً فشعار التنوير هو «كقميص عثمان» يرفعه البعض لحشد العداء ضد الإسلاميين أو من يخالفهم, بل قد ترفعه طوائف إسلامية معينة يُمارس ضدها القمع. فكتًاب السنة في إيران لا ينفكون يطرحون مسألة التنوير والدولة المدنية وهم أنفسهم نصيين على طريقة قال الإمام فصدق الإمام؟ وكذلك شيعة السعودية يرفعون شعار التنوير لمواجهة الكبت السياسي ضدهم في حين أنهم أبعد ما يكونوا عن مفاهيم العقلانية؟ مسألة التنوير في عالمنا العربي والإسلامي غارقة في الصراع السياسي. لكن ثمة محاولات يقوم بها فلاسفة عرب لطرح مسألة التنوير كخيار حقيقي بديل عن الخرافة التي تسود تفسيرنا لمعطيات العالم وواقعنا الاجتماعي والسياسي. تجد هذه المحاولات مثلاً في كتابات مطاع صفدي وفتحي التريكي ومحمد الجابري وأركون.لماذا نواجه بسياج حديدي عندما يتعلق الأمر بتطوير الفكر الإسلامي، وإعادة قراءة التراث، وتجديد المفاهيم الفقهية الدارجة (مشروع أركون والجابري مثالاً).لأن المشكلة أن العقل العربي نفسه يعيش أزمة أسس كما يقول الجابري. هذا العقل ما زال يفكر بأدواته القديمة التي دشنها القدماء. خذ مثلاً على ذلك الاختصاصيين في اللغة العربية: هم يعرفون أن الفراهيدي قعد اللغة العربية وهو مؤسس أول معجم عربي هو معجم «العين» الذي ضمّ جميع الألفاظ العربية على منهج «المهمل والمستعمل عند العرب». ومنذ القرن الثاني الهجري ونحن ما زلنا ندور في فلك معجم الفراهيدي، فنستعمل ما استعمله العرب القدماء ونهمل ما أهملوه الى درجة أن أصل الفعل في اللغة العربية دائماً يكون ماضياً، أي أننا ما زلنا نعيش في هذا الماضي ولم يحدث أي تجديد في علم العروض مثلاً أو اللغة العربية عموماً. ولأن الماضي هو الأساس الذي يُبني عليه تفكيرنا، يتمثّل ذلك السياج الحديدي الذي تتكلم عنه في الوهم الذي نضفيه على قداسة اللغة والخوف من تأويل النصوص بما يتوافق مع متغيرات العصر.