الجولات الرمضانية وزيارة الدواوين وحضور الغبقات والاستقبالات المكثفة خلال الشهر الفضيل، إضافة إلى أنها سمة طيبة وجميلة تعطي نكهة اجتماعية وأخوية مميزة، فإنها في الوقت نفسه مناسبة سياسية رئيسية لتشخيص الواقع المحلي ومحطة لقياس مؤشرات الرأي العام واتجاهاته.

Ad

فطوال ليالي هذا الشهر المبارك كانت تتدفق الجموع والشخصيات العامة لزيارة بعضها بعضا، ولم تخلُ تلك الزيارات من رصد ردود الأفعال تجاه القضايا العامة وأولويات الناس ومواقفهم من المواضيع الاقتصادية والسياسية المختلفة، إضافة إلى طرح العديد من الأفكار والاقتراحات الجديدة، ونظراً إلى أن اللقاءات الرمضانية عادة ما تكون سريعة وخاطفة وقصيرة، كذلك تكون الرؤى والانطباعات مختصرة ومعبرة بجمل موجزة.

وخلال العشر الأواخر أطل علينا صاحب السمو الأمير بكلمته السنوية المعبرة عن الحالة العامة للبلاد، والمتضمنة جملة من الوصايا والتوجيهات الأبوية، سواء للمؤسسات الدستورية أو لعموم المواطنين أو لرجال الإعلام والقوى الناشطة في الوسط السياسي.

ومن يستعرض خلاصة وعصارة الهموم الرمضانية يدرك وبكل جلاء جملة من المسلمات التي تهيمن على العقول والقلوب وعلى نطاق واسع، وأولى هذه المسلمات حالة الشعور بالإحباط والتشاؤم من الأوضاع العامة وانعدام الثقة حتى بمستقبل التنمية ومشاريعها وأهدافها.

والقضية الأخرى المؤرقة التي لا يتردد الكثير من الناس في التعبير عنها بوضوح وحرقة قلب هي التفكك الاجتماعي الحاد والانقسامات الفئوية والقبلية والطائفية التي ينفخ فيها بشكل متواصل ومنظم، وبالنتيجة الخوف من تداعياتها ونتائجها.

ولعل كل من أتيحت له الفرصة في الوصول إلى عدد من الدواوين الكثيرة جداً والموزعة جغرافياً على عموم مناطق الكويت قد خرج بانطباعات متشابهة ومصطلحات مكررة وعبارات متقاربة تماماً، ومعظمها يدور حول كلمات من قبيل "شنو قاعد يصير بالديرة"، "إحنا وين رايحين"، "الله يستر"، "لي متى"، "شفيكم"؟

ومثل هذه العبارات بالتأكيد تختزل حالة الشعور العام بعدم الرضا وحالة الفوضى العارمة التي تعصف تقريباً بكل شيء، إضافة إلى التشبث ولو ببصيص من الأمل بما ستحمله الأيام القادمة من أفكار ومشاريع للإنقاذ لتشمل الدولة والشعب على حد سواء.

وهذه بلا شك مسؤولية ثقيلة وكرة كبيرة قد يصعب اللعب بها في ملعب السياسة الذي تحول إلى ملعب صغير وكثر فيه اللاعبون وضاعت فيه قواعد اللعبة، وزاد عدد الحكام وانقسم الجمهور إلى العشرات إن لم يكن أكثر، وصار التشجيع لأفراد لا للفريق، وبالتأكيد فإن هذا الواقع مؤلم وقد لا تكون هناك عصا سحرية لفك طلاسم هذا اللغز بسهولة.

ولكن هذا لا يمنع الاجتهاد الصادق، ولعل من صور هذا الاجتهاد الذي قد يصيب وقد يخطئ عودة تكتل الكتل في المجلس، ولكن هذه المرة على ضوء وثيقة شرف وطنية بمعنى الكلمة وطرح الأولويات وبتفاصيلها الدقيقة لتكون بوصلة سنة واحدة من العمل المشترك على الأقل، فالقضايا القادمة كبيرة وخطيرة تبدأ بتمويل مشاريع التنمية وكيفية توزيع عشرات المليارات من الدنانير، وتشمل أيضاً الرقابة على التسيب الحكومي والفضائح المالية والإدارية، وقد تشمل رسم الخريطة السياسية المستقبلية من خلال إعادة توزيع الدوائر الانتخابية، وغير ذلك من المواضيع ذات التباين القوي على المستوى الشعبي، ومثلما نجحت تجربة إعطاء الحكومة فرصة لتكن نفس الفرصة للمجلس ولو سنة واحدة، لعل وعسى!