من المذنب... ومن البريء؟!
قال مدافعا عن نواب "إلا الدستور": "الحكومة هي السبب في كل ما جرى، فهي التي تريد أن تصل الأمور إلى هذا الحد لكي يكفر الناس بالديمقراطية ويستغنوا عنها، أليست هي من رعى الإعلام الفاسد الذي يشوه صورة النواب الوطنيين ويحتضن سقط القوم ليشتموا ويسبوا من تشاء من معارضيها؟ أليست هي من تواصل عبثها السياسي محاولة تنقيح مواد الدستور وتفريغه من محتواه لتحويل ديمقراطيتنا إلى ديمقراطية صورية "ديكور" لتجميل صورتها أمام دول العالم المتحضر فقط؟ ومن أجل ذلك سعت ولاتزال تسعى لشراء الموالين لها من النواب الذين تحولوا بقدرة قادر من مدافعين عن حقوق الشعب إلى محامين للحكومة، مهمتهم الوحيدة في المجلس هي الدفاع والتبرير لكل ما تقوم به الحكومة من سقطات كارثية!كل ما تفكر فيه هذه الحكومة ويشغل ذهنها اليوم هو تكميم الأفواه داخل المجلس وخارجه، وسبيلها في ذلك تقليم أظافر النواب برفع الحصانة عن كل من يكشف بلاويها تحت قبة البرلمان، وإخراس الألسنة بالعصي والهراوات لمن يرفع صوته في المنازل والديوانيات، وقد قاطعت جلسات مجلس الأمة عامدة متعمدة، ليلجأ النواب مضطرين الى إقامة الندوات لتوضيح وجهة نظرهم وموقفهم للناخبين في الأزمة الأخيرة، الحكومة هي من يفتعل الأزمات وهدفها واضح من ذلك، وهو إشغال الناس عن عجزها وفشلها في إنجاز خطة التنمية التي وعدت الجميع بها، وما هي إلا أضغاث أحلام لا نلمس منها على أرض الواقع شيئا، بالله عليكم، حكومة تلاحق الكتاب قضائياً وتضرب النواب لتعبيرهم عن رأيهم فيها، كيف لنا أن نصدق إيمانها بالديمقراطية وبحرية الرأي؟ كيف نصدق أنها تحترم الدستور وتحافظ عليه؟ على هذه الحكومة أن تستقيل فوراً، اليوم قبل غد، فما جاءنا منها فيه الكفاية، ولا طاقة لنا بالمزيد!".
رد عليه مدافعاً عن الحكومة ومواقفها: "لا يا سيدي، لقد جانبت الحقيقة فالنواب هم السبب، وهم الفاسدون، لا الحكومة ولا الإعلام، قل لي بالله عليك، ماذا ترتجي من نواب يقسمون على الدستور بأن يؤدوا أعمالهم بالأمانة والصدق ثم لا ترى منهم لا أمانة ولا صدقاً في نقل الحقائق واتهام الناس في ذممهم، فلم يتركوا وزيراً ولا مسؤولاً إلا وصوروه كلص للمال العام دون برهان أو دليل، ماذا ترتجي ممن افتقد أبسط أدبيات الحوار تحت قبة البرلمان ليتوعد ويهدد مستخدما كل المفردات والألفاظ السوقية ضد مخالفيه من الوزراء والنواب؟ يزعمون أنهم يحمون الدستور وهم أكثر من داس في بطنه ووقف ضد الحريات والمساواة التي كفلها للمواطنين كافة، هياجهم ودفاعهم عن الدستور انتقائي لأن الهجوم جاء ناحيتهم وضرب مصالحهم، لقد أسموا تجمعهم "إلا الدستور" وكان أولى بهم أن يسموه تجمع "إلا النائب" لأن ثورتهم جاءت دفاعاً عن ألسنتهم التي ما فتئت تكيل الاتهامات للمخلصين من أبناء الوطن، أين ثورتهم عن حق المواطن في التعبير والاعتقاد التي كفلها له الدستور كل هذه السنين؟ أليسوا هم ذاتهم من وقف ضد حرية المواطن في قراءة ما يشاء من الكتب في معرض الكتاب؟ أليسوا هم أنفسهم من فرضوا خيارهم في رفض التعليم المشترك على غيرهم ممن يؤمنون به؟ أليسوا هم أصحاب الضوابط والثوابت التي لها أول وليس لها آخر؟ كيف نصدق أن من ينتهك الدستور يحمل لواء الدفاع عنه؟ هؤلاء النواب هم سبب المشاكل والأزمات وهم أس البلاء، ولا حل إلا بحل مجلسهم، وأن يأتي نواب جدد يجيدون أدب الحوار ويحترمون الدستور من أول مادة فيه إلى آخر مادة، ويحترمون قبل ذلك القانون ويكونون أول من يطبقه، وأول من ينفذ الرغبة الأميرية التي تبحث دائما عن المصلحة العامة، والتي لم يستجب لها أحد منهم في الأزمة الأخيرة، فحدث ما حدث، ووصلنا إلى مرحلة صار العنف وسيلتنا للتفاهم، فصراخ الحناجر الوقحة لابد أن تتبعه ضربات الهراوات الأشد وقاحة!".قلت مدافعا عن الوطن: لن يكون الحل في استقالة الحكومة وحدها، ولا بحل مجلس الأمة وحده، بل بذهاب الاثنين معا، فلا هذا كان على مستوى الطموح ولا ذاك على قدر المسؤولية، وكل منهما كان يبحث عن مصلحته الشخصية وتصفية حساباته، لا أحد منهما فكر فيما يريده المواطن البسيط وما أولوياته واهتماماته، لقد نخر الفساد في كل ركن من أركان البلد حتى وصل إلى ما يتناوله الناس من غذاء، و"الشباب" لاهون بمعاركهم الخاصة، وكل منهما يريد الإيقاع بالآخر وجعله عبرة لمن يعتبر!لا يا سادة، الخراب لا يأتي من جهة أو طرف واحد، فالاثنان يتحملان مسؤولية ما حدث ويحدث، ومن يدافع عن طرف ويبرئ الآخر واهم في ذلك كل الوهم، وهواه ومصلحته دليلاه ومرشداه إلى ذلك، ولو كنت وزيرا في هذه الحكومة "الجميلة" أو نائبا في هذا المجلس "الرائع" لما ترددت لحظة في تقديم استقالتي فورا، فما لا يشرف به المرء ولا يحسب له كنقطة مضيئة في تاريخه السياسي، أن يكون مساهماً ولو بقدر بسيط في جراح هذا الوطن الذي لا يتوقف نزيفه على يد أبنائه، ممن يدّعون حبهم وعشقهم له، وهم بأفعالهم ومواقفهم يثبتون عكس ذلك كل يوم وساعة ولحظة... والقادم سيكون أسوأ إن لم ينتهوا!