أجزم بأن كل كويتي قد وصله خبر ما نُشِر عن توجه الحكومة لزيادة رواتب الموظفين الكويتيين والمتقاعدين، وأن هذه الزيادة تأتي، على حد تعبير المصدر الذي قام بالتصريح دون ذكر اسمه كالعادة، لسد التفاوت الكبير بين الرواتب على كل المستويات، لكن الحكومة، وكعادتها، قد ألقت «الخبر» بطريقة «ملفوفة» بشكل يمكن التملص منه، أو ربما شده أو مطه، حسب الظروف إن هي شاءت ذلك!
حكومتنا الرشيدة، لا تزال تستخدم، كما يبدو لي، أسلوب «الجزرة»، وأسلوب «أطعم الفم تستحي العين»، وألا شيء يرضي عموم الناس مثل «رش القروش» ومنح الزيادات، ومع ذلك فأنا في المقابل لم أكن غبيا لأعترض على ذلك، فمثل هذا الاعتراض غير الشعبي سيكون بمنزلة الوقوف أمام قطار مندفع، لا يقف خلف مقوده أحد. سيسحقك القطار حتما، ويمضي، لكنني سأحاول ترشيد بعض الأمور لا أكثر، فاسمحوا لي، وأرجو من الله السلامة!في شهر مارس من العام الماضي، أي قبل أقل من عام، صرح أحد المسؤولين الحكوميين بأن دراسة البنك الدولي التي أجراها على الكويت، بناء على طلب الحكومة، قد أوصت بعدم الحاجة لأي زيادة جديدة على رواتب الكويتيين العاملين في القطاع الحكومي، لأن معدل الرواتب مناسب جداً مقارنة بإنتاجية الموظفين وبنسبة التضخم. وسؤالي اليوم: ما الذي تغير يا ترى؟!لا يعقل أن يكون قد تغير أمر اقتصادي بشكل كبير خلال هذه الفترة مما جعل الحكومة تتنازل عن رفضها تجاه الموضوع... إن ما تغير في الغالب هو أمر «سياسي»، وسأترك لمخيلة القارئ الذكي التفكير بماهية هذا الأمر السياسي في ظل الظروف الحالية!يومئذ كنت كتبت أقول إن السنوات القليلة الماضية كانت قد حفلت بالفعل بزيادات سخية على الرواتب لقطاعات بعينها، في حين تم تجاهل قطاعات أخرى تجاهلا تاما، وأن تلك الزيادات كانت مدفوعة في أغلبها بالضغط السياسي وبالتهديد بالاعتصامات والإضرابات، أكثر من كونها كانت مبنية على دراسات علمية واقتصادية نظرت إلى معدلات الإنتاجية والتضخم واستندت إلى مقارنات بسوق العمل الإقليمي والعالمي، وتساءلت يومها، بأنه إن كانت الحكومة قد تذرعت برفض البنك الدولي للزيادات حتى تقفل الموضوع آنذاك، فعن أي قطاعات كانت تتحدث؟ هل عن تلك التي جرت الزيادات المالية نحوها خلال السنوات الماضية بشكل خارج عن المعقول أحياناً، أم عن تلك التي لم ينظر في رواتبها منذ سنوات طويلة، ولم يكترث بها لمجرد أنها لم تهدد بالإضراب أو الاعتصام ولم ترفع صوتها بالشكوى؟!لكننا أبناء اليوم، وسننسى ما جرى في السابق، وسأقول إنه ما دمنا على وعد بزيادات في الرواتب، فإن المنهج العلمي السليم يقتضي من الحكومة استخدام مسطرة صحيحة عند التعامل مع الكوادر المالية للقطاعات المختلفة، ليكون بذلك منهجها متناسبا مع ظروف العمل وطبيعته في كل قطاع على حدة، فلا يصح لها على الإطلاق أن تكون قد أعطت قطاعاً ما زيادات خيالية في السابق، في حين لم تلتفت إلى قطاعات أخرى لسنوات طويلة، وتأتي لترمي اليوم بزيادة مالية بقيمة واحدة للجميع دون أي معيار واضح ودون نظر لطبيعة العمل ولا لتاريخ الزيادات الذي شهدها هذا القطاع أو ذاك، وكأن الأمر فعلا مجرد «حركة سياسية» بسبب الظروف، وليس استشعارا حقيقيا لموضوع التضخم والإنتاجية والحاجة إلى زيادة للرواتب وفق ذلك.نحن بحاجة إلى أن نشهد مثل هذا التصرف العلمي السليم من الحكومة، في هذا الصدد على الأقل، حتى نستطيع أن نطمئن أنها بالفعل بدأت تتحرك بشكل تنموي صحيح، وأن ما تقوم به ليس مجرد حلقة جديدة من حلقات اللعبة السياسية لا أكثر!
مقالات
هل هي جزرة جديدة يا حكومة؟!
06-02-2011