ابتسام القعود: المرأة تثبت جدارتها بالوظيفة والأعمال التطوعيّة

نشر في 24-08-2010 | 00:00
آخر تحديث 24-08-2010 | 00:00
تدعو أستاذة التدريب الميداني في قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الكويت ابتسام القعود، جميع النساء الكويتيات إلى الانخراط في ميدان العمل، وعدم البقاء في المنزل، مؤكدة أن عمل المرأة يمنحها الاستقلالية ويشعرها بتقدير الذات، منوهة في الوقت ذاته بأهمية الأعمال التطوعية التي تشعر الإنسان، سواء الرجل أو المرأة بسمو الذات، ونقاء الروح. كذلك، تلفت الى أن الرجل أياً كان، في الغرب أو الشرق يكنّ للمرأة نظرة دونية، ولا يعترف بكل حقوقها، وعليه فإن على المرأة أن تقاتل لإثبات ذاتها.

وبالإشارة إلى مشكلات اجتماعية أخرى مثل آلية التعامل مع شريحتي المراهقين والمسنين، توضح القعود أن المشكلة برمتها تتوقف على مستوى الأفراد الاجتماعي، خصوصاً بعد تقاعد الآباء وبالتالي تقلّص معاشهم الشهري إلى حدّ كبير ما يترتب عليه قلق إزاء المستقبل، وعدم استقرار. وتتحدث أيضاً عن ظواهر اجتماعية أخرى مثل زواج الأقارب، والأمراض الوراثية في المجتمع الكويتي، وخدم المنازل وطريقة التعامل معهم.

لديكم نية بإنشاء مركز وحدة المرأة في جامعة الكويت، حدّثينا عن هذه التجربة.

المركز تابع لجامعة الكويت، وسيكون بإدارة عميد كلية العلوم الاجتماعية د. عبد الرضا أسيري، بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وسيحوي مجلس إدارة يضم فئات عدة من المهتمين بحقوق المرأة، ومن مهامه تخفيف العنف عنها وتمكينها.

كيف ترين دور نائبات مجلس الأمة الكويتي الأربع؟

برأيي، قدّمن الكثير وأدعو لهن بالتوفيق، فهن انضممن إلى البرلمان الكويتي في فترة عصيبة، وهي المرة الأولى في تاريخ الكويت التي تدخل فيها امرأة إلى البرلمان. يجعلنا ذلك نتغاضى عن بعض الأخطاء والهفوات إن وجدت. وبالنسبة إلى إنجازاتهن، فهن يشاركن في اللجان ويتفاعلن مع القضايا المطروحة، وقد مثّلن الكويت في الخارج وجميعها أمور مشرّفة ينبغي تشجيعهن عليها.

هل إنصاف المرأة ونيل حقوقها مفتاح حقيقي لتطوّر المجتمعات؟

المجتمع الذي لا يحفظ حقوق المرأة مجتمع أعور، لأنه يرى الأمور بعين واحدة فقط، فيما ذلك المنفتح والذي تنال فيه المرأة جميع حقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية هو مجتمع متطور، ويتفاعل أفراده مع بعضهم البعض بديناميكية وإيجابية. وليس ذلك بحاجة إلى أدلة كثيرة، إذ إن المرأة هي التي تُنجب وتربي، فإذا كانت تعيش في ظلم واضطهاد، ومكسورة الجناح، من الطبيعي أن ينعكس ذلك على أبنائها والمجتمع بكامله. برأيي، لا بد من تثقيف المرأة ومنحها حقوقها كافة، وذلك أمر نابع من صلب الشريعة الإسلامية، ومخطئ من يظن أن الدين الإسلامي يعارض حقوق المرأة.

تطالب المرأة المتزوجة من أجنبي منح جنسيتها لأبنائها، الأمر الذي ترفضه دول عربية كثيرة ومن بينها الكويت، ما رأيك؟

لا ظلم على المرأة في هذه القضية، لأنها تتبع زوجها في هذه الحالة، وكذلك أبناؤها، كونها اختارت هذه التبعية بمشيئتها، كما هي الحال مع المرأة غير الكويتية التي تتزوج من رجل كويتي وتحصل على الجنسية بشروط محددة، لأنها تابعة لزوجها. ليس ما يبرر مطالبة تجنيس أبناء الكويتية، لأن ذلك يضع عبئاً على الدولة. وبحسب القانون فإن المرأة المطلقة أو الأرملة قد تحصل على الجنسية مراعاة لظروفها الإنسانية وذلك أمر جيد.

أثبتت الإحصاءات أن نسبة الفتيات المتفوّقات الملتحقات بالجامعة تفوق نسبة الذكور في الكويت، هل لذلك أثر على التركيبة الوظائفية في دوائر الدولة على المدى المنظور؟

تثبت الإحصاءات أن مواليد الإناث تفوق كثيراً الذكور في الكويت، إذ إن مقابل أربع فتيات مولوداً ذكراً. وذلك يؤثر على تزايد الإقبال على الدراسة الجامعية، ومن خلال عملي في جامعة الكويت أستطيع القول إن الفتيات أكثر تفوّقاً والتزاماً بأداء واجباتهن العملية مقارنة بالشباب. تتداخل أسباب كثيرة لتفوّق الفتيات، ربما لأنهن يردن إثبات أنفسهن، وضمان مستقبلهن الوظيفي. أما الشباب فيجدون غالباً فرصاً كثيرة للنجاح في الحياة حتى لو لم يكملوا تعليمهم، فقد يلتحقون بالداخلية أو الجيش، أو يعملون في شركات ذويهم أو ينشؤون أعمالاً تجارية خاصة بهم. على النقيض من الفتاة التي لا تجد أمامها سوى فرص محدودة ووظائف محددة. ولو ألقينا نظرة على الدوائر الحكومية الكويتية نجد أن الفتيات يغطين المساحة الكبرى في الوظائف. ينطبق ذلك على الأعمال ذات الوظيفة المكتبية، وحتى بالنسبة الى البترول، ووزارة الأشغال، إذ ثمة مهندسات كويتيات يؤدين أعمالهن بجدارة.

نفتقد في الكويت والبلاد العربية عموماً المراكز الاجتماعية المتخصّصة لمتابعة المشاكل الأسرية وحلّها، ما السبب؟

انطلاقاً من قيامي بتدريب طلبة الخدمة الاجتماعية ومتابعتهم في المؤسسات الكويتية، اتضح لي فعلاً افتقارنا إلى مثل هذه المراكز التي تتحدث عنها. يصعب على مجتمعاتنا المحلية تفهّم أن هذه المراكز جزء من تركيبة المؤسسات المدنية، ودلالة على تطور المجتمع، فليس ضرورياً أن يكون الشخص مريضاً نفسياً كي يراجع مراكز الخدمة النفسية، وللأسف يشعر أفراد كثر في مجتمعاتنا بالحرج عند زيارتها.

كذلك، ثمة مراكز أخرى يلتقي فيها الأفراد الذين يعانون مشكلة ما ضمن ما يسمى بـ «الطاولة المستديرة» للتحدّث مع بعضهم البعض والتنفيس عن همومهم. وثمة أيضاً مراكز تتلقى الشكاوى وتقدّم استشارات عبر «الخط الساخن». بالمناسبة، لدى مركز الإنماء الاجتماعي التابع للديوان الأميري خدمة «الخط الساخن». لكنّ مركزاً وحيداً من الصعب أن يغطي أنحاء الكويت كافة، إذ نحن بحاجة إلى أكثر من مركز ومن الأفضل أن تكون مثل تابعة للحكومة، وليس لجمعيات نفع عام.

لو نظرنا إلى الجانب التاريخي، كيف ترين وضع المرأة الكويتية خلال فترة ما قبل ظهور النفط وبعده؟

قبل ظهور النفط، كانت المرأة الكويتية تعيش حياة تقليدية، فمستواها التعليمي كان متواضعاً ما ترتب عليه بقاؤها في المنزل، وأداء واجباتها المعتادة، من أعمال منزلية وتربية أبناء وغيرها. لكن بعد ظهور النفط والقفزة الحضارية التي مرت بها الكويت نجد الأوضاع تبدّلت إلى حد كبير، إذ فتحت المدارس ونالت المرأة حظها من التعليم، وأصبح هناك مبتعثات كويتيات إلى الخارج.

لظهور النفط أثر آخر يتمثل في تحسن الحالة الاجتماعية للأفراد كافة، إذ أصبحت الأسر تملك القدرة على تعليم أبنائها وبناتها. ولدى المرأة اليوم وعي كبير بقدراتها وإمكاناتها.

على رغم ذلك يقال إن المرأة الكويتية غائبة عن بعض الميادين الفكرية والثقافية!

هذا الكلام ليس دقيقاً، لدينا نساء كويتيات متخصصات في ميادين الفلسفة والفكر، وناشطات في المجالات الاجتماعية والسياسية والطبية. ومن الخطأ أن يُحصر نشاط المرأة في المجال السياسي، لأن ثمة مجالات أخرى أكثر حيوية. كذلك، ثمة نساء كويتيات بارعات في الاقتصاد، ومتفوقات في مجال المصارف، قد يقال إن عدد النساء قليل في تلك المجالات، وذلك أمر طبيعي بالنظر إلى قلة عدد السكان في الكويت. فالمواطنون الكويتيون بالكاد يتجاوز عددهم المليون نسمة. عدا عن أن هذا العدد القليل مقسّم إلى شرائح. فـ{الحضر» مثلاً يرحّبون بتعليم الفتاة وخروجها إلى الميادين العامة. فيما «البدو» ما زالوا ينظرون إلى المرأة نظرة تقليدية ويرفض بعض أبناء هذه الشريحة اندماج النساء في النشاط السياسي العام.

لكن في انتخابات مجلس الأمة الأخيرة أثبتت المرأة في المناطق التي تضم «البدو» فاعلية في التصويت والتنظيم الانتخابي!

صحيح. كانت المرأة في مناطق «البدو» متفاعلة مع الانتخابات، وبلغت نسبة التصويت لديها أرقاماً عالية. وهذا دليل وعي سياسي وباعث على التفاؤل.

من خلال عملك في مجال التدريب الميداني، ما أبرز ملاحظاتك من حيث المشاكل الاجتماعية التي يمر بها الطلبة والطالبات؟

من المشاكل التي يُعانيها المجتمع الكويتي: التعامل مع شريحة المراهقين، العنف ضد الأطفال وضد المرأة والمسنين. وتنجم غالبيتها عن سبب رئيس يتمثل في التفاوت الاجتماعي بين الفئات. والغريب في مجتمع صغير يتميز بالثراء مثل الكويت أن يصبح الإنسان فقيراً عندما يتقاعد عن العمل. فتؤخذ «العلاوات» كافة من راتبه لنجده ينتقل من وضع مريح مادياً الى وضع أكثر تقشفاً، ما يجعل الناس قلقين على مستقبلهم، وبالطبع ينعكس هذا القلق على الأبناء.

بالنسبة إلى المراهقين، لم يتوصّل المجتمع بعد إلى آلية للتعاطي معهم، حتى في نطاق الأسرة الواحدة نجد الآباء عاجزين عن فهم أبنائهم ومتناسين أن أولادهم ينفتحون الآن على العالم الخارجي، ويتفاعلون مع العولمة ومنتجاتها الإلكترونية. وهذه المؤثرات الخارجية لا يمكن التغاضي عنها، حتى وإن كنا نعيش في مجتمع مسلم محافظ، وهذا يدعونا الى التفكير بمبدأ «الوسطية». من السهل أن نربي إنساناً إرهابياً أو فاشلاً، لكن يصعب تربية إنسان وسطي يتفاعل مع العالم الخارجي وفي الوقت نفسه يحتفظ بدينه وتراثه.

أما بالنسبة إلى الأطفال فيعتقد الأهل أن مفهوم «العنف» يتوقّف عند الاعتداء الجسدي فحسب، وذلك غير صحيح. فالعنف اللفظي أكثر تأثيراً في نفسية الطفل وقد يمتد إلى مدى بعيد. فالإنسان عندما يحتقر ابنه أو يقارن بينه وبين آخر، يساهم في تنشئة إنسان محبط، مفتقر إلى تقدير الذات. وهذا أمر نلاحظه بين أبنائنا وبناتنا الطلبة.

وهل تنتشر حالات العنف ضد المرأة والمسنين في الكويت؟

بالتأكيد وثمة أنواع عدة من العنف، إذ ثمة أزواج يسلبون زوجاتهم معاشاتهن الشهرية مع أن الدين يحرّم أخذ مال المرأة إلا برضاها. كذلك، يهين الرجل زوجته ويتعمد إظهار ضعفها أمام الناس.

أما العنف ضد المسنين فيكمن في إهمالهم وعدم الاستماع إلى طلباتهم. علينا أن نتقبل هؤلاء كما هم، إذ إن المسن يصبح حساساً، ويتراجع تفكيره ويشعر بقلق دائم من المستقبل ويخشى المرض والموت. لا بد للأبناء من أن يتقبلوا آباءهم ويحيطوهم بالحب والرعاية. ليست الرعاية أن نوفر لهم طبيباً أو ممرضة ترعى شؤونهم بل علينا أن نشعرهم بالحب والأمان، والجلوس إلى جوارهم، والاستماع إلى مشاكلهم والقصص التي يروونها باستمرار.

يلاحظ أن بعض الأبناء يتركون آباءهم في المنزل فترة الصيف ويسافرون خارج الكويت، أو يذهبون في نزهة داخلها وهذا خطأ كبير. لم لا نخرج برفقة آبائنا إلى أي مكان نذهب إليه؟ فذلك يشعرهم بالأمان والمحبة.

لكنّ الدين الإسلامي يوصي بالإحسان إلى الوالدين!

طبعاً، لكن على الأبناء أن يعوا ذلك. المفارقة أن أبناءً كثراً يهملون آباءهم هم ملتزمون دينياً ويؤدون الشعائر مثل الصلاة، والزكاة والحج... إلا أنهم غير واعين لأهمية البر بالوالدين. وهذه العلاقة الحسنة مع آبائهم نوع من الجهاد، وثوابها عند الله كبير.

كيف ترين مستقبل طلبة الخدمة الاجتماعية في الجامعة؟

في البداية، يأتي الطلبة إلى الجامعة مشوّشين وغير مدركين لهذه المشاكل التي حدّثتك عنها، لكنهم ما إن ينخرطوا في التدريب الميداني، حتى يشعروا بالمسؤولية الاجتماعية. ثم نجدهم في نهاية المطاف يتطوّعون للانخراط في الأعمال الميدانية، ونأمل أن يخرج منهم مستقبلاً ناشطون اجتماعيون.

التطوّع عموماً غذاء للروح وسمو للنفس، وكبت للمشاعر السلبية. أدعو النساء عموماً للانخراط في العمل التطوعي خصوصاً المتقاعدات منهن إذ يجدن الوقت الكافي لذلك.

يتحجج المعارضون لنيل المرأة حقوقها بأنه حتى في البلاد الغربية المتطوّرة تُضرب النساء ويمارَس ضدهن العنف والتمييز، على رغم كل القوانين التي تكفل حقوقهن.

صحيح أن المرأة تتعرض للعنف في أنحاء العالم كافة، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية المعروفة بتشريعاتها المنصفة للمرأة وقوانينها الصارمة، والسبب برأيي أن نظرة الرجل الى المرأة واحدة، ولن تتبدّل، إذ ينظر إليها وكأنها أقل شأناً منه. لذا على المرأة الاجتهاد لتغيير نظرة الرجل القاصرة نحوها، وإثبات جدارتها في الميادين كافة. قد تعنَّف المرأة في الولايات المتحدة، وتُضرب إلا أن القانون الأميركي صارم، وإذا وصل الأمر إلى القضاء فإنه يعيد الى المرأة اعتبارها وحقوقها.

في المنازل الكويتية عدد كبير من خدم وغالبيتهم من نساء يتعرّضن للظلم والاضطهاد، ما رأيك؟

الخادم إنسان ضعيف، يتغرّب من بلده من أجل راتب ضئيل ولقمة عيش يحصل عليها، ومن الخطأ أن يُظلم، إذ يولّد الظلم حقداً في نفسه. علينا أن نُشعر هؤلاء بالراحة والأمان، فهم أصبحوا جزءاً من مكونات الأسرة الكويتية. وللأسف يحرم البعض هؤلاء من معاشاتهم الضئيلة كنوع من العقوبة لهم إن هم أخطأوا وهذا أمر لا يقبله الإسلام ولا الشرائع السماوية الأخرى.

من جهة أخرى قد يكون بعض الخدم مريضاً نفسياً، أو لديه سوابق إجرامية في وطنه، لذا يجب التقصّي عن جميع الخدم قبل استقدامهم للعمل في الكويت. كذلك، لا بد من إحضار شهادة خلو من الأمراض النفسية والوراثية كـ{الفصام» الذي قد يظهر فجأة من دون سابق إنذار.

تطرّقت إلى مسألة الأمراض الوراثية وهي موجودة في الكويت بسبب زواج الأقارب، كيف تنظرين إليها؟

افتُتح في الكويت أخيراً مركز لفحص الراغبين في الزواج بقيادة الدكتور يعقوب الكندري. مع الأسف تثبت الإحصاءات أن 60% من الذين يقبلون على الفحص ويكتشفون أن زواجهم ينطوي على خطر الإصابة بالأمراض الوراثية يتجاهلون توصية المركز ويقدمون على الزواج. لذلك ندعو إلى تشريع قانون يمنع الزواج بين الأقارب في حالة وجود أي احتمال لإعاقات أو أمراض وراثية. فنحن جميعنا نريد مجتمعاً سليماً، فما الدافع الى زواج قد تنجم عنه إعاقات؟

ماذا تقترحين لتجاوز هذه المشكلة؟

قيام حملة تثقيفية كبيرة تشارك فيها وزارتا الصحة والشؤون، وجامعة الكويت، لتوعية الناس بمخاطر زواج الأقارب، ذلك عبر وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة، وإقامة ندوات في الأماكن العامة. 

back to top