«دعاة جدد» أم «رجال أعمال جدد»؟

نشر في 08-11-2010
آخر تحديث 08-11-2010 | 00:01
هل قدم «الدعاة الجدد» تجديداً حقيقياً أم اقتصر التجديد على الشكل والقالب والأساليب؟ فإنه بتحليل مضامين الخطاب الديني للدعاة الجدد، لم نجد تجديداً حقيقياً في المضامين ولا تطويراً في بنيته الداخلية، ولا معالجة معرفية تحليلية ونقدية للقضايا الرئيسة التي تشكل تحديات للمجتمعات الإسلامية.
 د. عبدالحميد الأنصاري عندما يقول الداعية الكويتي طارق سويدان: "ندير الدعوة اليوم كما يدير التجار أعمالهم, إنه عمل مؤسسي منظم إدارياً ودولياً"، وعندما تنشر مجلة Forbes– في 8 مارس 2008 النسخة العربية- قائمة بترتيب الدعاة الأعلى دخلاً وتسميهم "نجوم الدعاة" ويأتي الداعية المصري عمرو خالد رقم 1 في القائمة, إذ يحصل على 2.5 مليون دولار في السنة (أعلاهم)، يليه طارق سويدان ثم عايض القرني ثم عمر عبدالكافي ثم سلمان العودة 267 ألف دولار (أقلهم)، وهناك 5 مرشحون آخرون للدخول. وعندما يدافع هؤلاء عن القائمة ويسوّغون ما يحصلون عليه من أجور فلكية عالية بمبررات شرعية ومصلحية كالقول إن كثيراً من الصحابة- رضوان الله عليهم- كانوا أثرياء! أو يقول عبدالكافي: صنع المال تحت أقدامك يرفعك إلى أعلى ويأتي زغلول النجار ليقول: ما المانع أن يأخذوا, أقل مطربة أو راقصة تأخذ الأضعاف؟!

وعندما تتنافس الفضائيات الدينية على "نجوم الدعوة" تنافساً محموداً بهدف كسب أكبر قدر من الأرباح والاستحواذ على أكبر عدد من الإعلانات ورسائل sms وخدمة الفتاوى الإلكترونية مما يسمح لها بمنح رواتب خرافية لهؤلاء, وعندما تصبح هناك مصالح تجارية متبادلة بين الداعية والفضائية ويعملان كمنظومة متكاملة مثل رجال الأعمال, فإن "الدين" بهذا المعنى والاعتبار يصبح من بين السلع المتداولة في الأسواق، وهو ما يسميه البعض ظاهرة "تسليع الدين"، ومن ثم تنحرف الدعوة من أهدافها الحقيقية إلى تحقيق أغراض تجارية نفعية تستفيد منها 3 أطراف: الداعية والفضائية وشركة الإعلانات, وهكذا تصبح "الدعوة" مصدراً للإثراء السريع, بطبيعة الحال.

لا أحد اليوم يطلب من الداعية أن يعمل مجاناً خالصاً لوجه الله، ولا أحد يحسدهم على ما آتاهم الله من فضله, وهم يستحقون أجورهم بالعدل، ولكن تحويل الدعوة إلى "بيزنس", وطغيان الصفة "الربحية" على العمل الدعوي والإعلامي يجب أن يستوقفنا ولنتساءل: ما نهاية هذا السباق المحموم بين الدعاة أنفسهم, وبينهم وبين الفضائيات؟ وما التداعيات السلبية لهذا التنافس على صورة "الدعوة الإسلامية"؟!

هذه التساؤلات وغيرها كانت من محاور برنامج "مثير للجدل" تقدمة الإعلامية فضيلة السويسي عبر قناة أبوظبي, وشاركت فيه مع زملاء آخرين, وكانت التساؤلات المطروحة: لماذا ظاهرة "الدعاة الجدد"؟! وهل قدموا جديداً؟ وما نطاق التشديد؟ وهل هو تجديد حقيقي؟ ولماذا ظهر "الدعاة الجدد" من خارج المؤسسة الدينية الرسمية ومن غير المتخصصين في العلوم الشرعية؟! كان هناك شبه اتفاق على أن المؤسسات الدينية الرسمية لم تطور نفسها ولم تواكب التحولات المجتمعية ولم تجدد في أساليب الدعوة فأصبح الخطاب الدعوي التقليدي, خطاباً لا يلبي احتياجات الأجيال الجديدة من الشباب ولا يعبر عن تطلعات المجتمع وغير قادرة على مواجهة التحديات المعاصرة, لذلك سئم الناس وملوا وتطلعوا إلى خطاب جديد مما دفع فئة جديدة من الدعاة من خارج المؤسسات الدينية, لم يحصلوا على ثقافتهم الدينية من خلالها, لكنهم أتقنوا فن التواصل الجماهيري كما مهروا في توظيف التقنيات الإعلامية الجديدة وتناولوا قضايا ذات نوعية مختلفة عن القضايا التقليدية المعتادة, جيل جديد لا يطلق اللحية, يرتدي أحدث الأزياء, يهتم بتناسق الألوان, يستخدم كلمات دارجة في لغة الشباب, نقل الخطاب الوعظي القائم على التخويف من النار والتبشير بالجنة إلى خطاب يحبب الشباب بالحياة وبالسعادة وإشاعة الفرحة والحب والاستماع إلى الموسيقى والتمتع بالفنون, يروي الحكايات الشعبية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والأئمة والرموز التاريخية بشكل يناسب الحياة المعاصرة، كما يقدم النصائح العملية المناسبة في القضايا اليومية للشباب.

يضاف إلى كل ذلك أن الخطاب الديني السائد بكل توجهاته (السلفي, والإسلام السياسي, والأزهري) فشل في تحقيق مهماته الرئيسة الآتية:1- فشل في تحصين المجتمع والشباب ضد آفات التطرف. 2- فشل في تقديم صورة إيجابية للإسلام والمسلمين بعد أن شوهت العمليات الإرهابية الصورة الإسلامية. 3- فشل في تفعيل القواسم المشتركة بين الأديان والمذاهب الإسلامية، بل تحول إلى عامل تأزيم وشحن مذهبي (سلفي, أزهري, صوفي)، وطائفي (سني, شيعي)، وديني (مسلم, مسيحي). 4- فشل في مواكبة تحولات المجتمع السياسية والاجتماعية والتنموية وكان معوقاً لمشاركة المرأة في الحياة العامة وإدماجها في خطط التنمية. 5- فشل في تبني قضايا حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي والانفتاح على ثقافات العالم. 6- فشل في شحن طاقات الشباب ودفعهم للبناء والتنمية والإبداع، يقول الشيخ خالد الجندي في نقده للأزهر وتأخره في دخول الفضائيات أسوة بالقنوات الدينية السلفية التي استهدفت غزو الأزهر وثقافته في عقر داره: "االتعليم الأزهري يحتاج إلى تطوير, ومشكلته الأساسية عدم تفعيل (فقه الواقع) ويجب أن يكون الخريج قادراً على الإلمام بقضايا المرحلة, ويعرف معطيات العلم والواقع والمتغيرات المعاصرة, ويتقن اللغات ويطلع على الثقافات... فوسائل الدعوة تغيرت وهم لم يتغيروا، نجحت التيارات الأخرى- يقصد السلفية وغيرها- في الاختراق"... أي في ظل غياب الأزهر عن الفضائيات وقد ساعدهم التنظيم والدعم والتمويل.

السؤال الآن: هل قدم "الدعاة الجدد" تجديداً حقيقياً أم اقتصر التجديد على الشكل والقالب والأساليب؟ بتحليل مضامين الخطاب الديني للدعاة الجدد, لم نجد تجديداً حقيقياً في المضامين ولا تطويراً في بنيته الداخلية, ولا معالجة معرفية تحليلية ونقدية للقضايا الرئيسة التي تشكل تحديات للمجتمعات الإسلامية مثل (حقوق الإنسان، وحريات التعبير, والحريات الدينية, والشورى، والديمقراطية, ووضع المرأة ودورها في المجتمع وحقوقها السياسية والتشريعية, وحقوق الأقليات الدينية في المجتمعات الإسلامية وما يتعرضون له من قتل وحصار وتهجير وتمزيق ديني، وقضايا العدالة الاجتماعية والفوارق الطبقية والقبلية وتأثيرها على تطلعات الشباب في سلم الصعود الاجتماعي, والتوفيق بين الإسلام والحداثة, وقضايا التطرف والإرهاب).

هناك إهمال متعمد للقضايا الكبرى كافة في مقابل التركيز على الأخلاقيات الفردية والرقائق العاطفية مثل تغييب تام للمنهج النقدي من مثل: لماذا كنا خير أمة تدعو إلى الخير والتسامح وأصبح العالم اليوم يتوجس منا بسبب التفجيرات والطرود الملغومة؟! نجحوا في تقديم خطاب "منزوع العنف والسياسة"، لكنه منزوع العمق والتحليل- أيضاً- لكن لا يغضبون السلطة ولا الإرهابيين ولا رجال الأعمال ولا أحداً, لكنه لا يختلف عن مضامين التقليدي, يتكلم عمرو خالد عن الإحسان: "يا جمهور توجهوا إلى خزانة ملابسكم وتبرعوا بما لا تستخدمونها" ولا يتكلم عن أسباب الضائقة الاقتصادية, أو "عليكم بالبكاء والدعاء"، كما يقول محمد مبروك في تحليله لظاهرة عمرو خالد, يتكلمون عن التسامح ويسهبون في سرد النصوص والحوادث لتسامح المسلمين, لكن ماذا عن الأقليات الدينية في مجتمعاتنا؟ ماذا عن التمييز الممارس ضدهم؟ ما أسباب الشحن الطائفي؟ لماذا يقتحم متحمسون دينياً كنيسة ويقتلون من فيها قتلاً عشوائياً؟! لماذا تظل المنابر تدعو عليهم؟ خطابهم الأخلاقي, تنظيري, غير واقعي سطحي وتبسيطي, يتناقض وواقع العلاقات بين المسلمين وغيرهم وبين المسلمين أنفسهم, حديثهم التاريخي, منتقى للحظات مضيئة, مع تجاهل تام لقرون من العنف الدامي والظالم, يتكلمون عن "عدل عمر" ويغفلون معوقات العدل في مجتمعاتنا! ينشدون ما ينبغي أن يكون ويتجاهلون ما هو كائن وأسبابه!

وبقي أن نشير إلى نقطة مشتركة بين الدعاة الجدد هي أنهم يتجنبون الحديث في "الشأن العام" وجعل حديثهم في "الشأن الفردي" الخاص, يقدمون وصفات إرشادية للشباب للنجاح والصعود الاجتماعي, مثل: كيف تنجح في عملك؟ وكيف تطور مهاراتك؟ وكيف تحقق طموحك؟ وكيف ترضي رؤساءك في العمل؟ وكيف تكون قائداً ناجحاً؟ وكيف تكون محبوباً؟ وكيف ترضي ربك وكيف ترضي والديك؟ وكيف تكون سعيداً في الدنيا والآخرة؟ وكيف تحقق مشروعاً ناجحاً؟ أي نفس طريقة الثقافة البراغماتية الأميركية: كيف تصبح مليونيراً؟ وكيف تصبح خطيباً ناجحاً؟ "لا تحزن", وهي كلها أبجديات أولية يتعلمها الطالب الأميركي في "فن تطوير المهارات الذاتية" و"فن التواصل مع الآخرين" ومن قرأ "دع القلق وابدأ الحياة" أو "كيف تعيش مئة عام؟" وغيرهما من الكتب التي تملأ الأرفف عن تنمية القدرات الذاتية, يدرك تماماً أن هؤلاء لم يقدموا شيئاً جديداً لتجديد الفكر الديني أكثر من تقديم "المنتج الثقافي الأميركي" في ثوب إسلامي جديد.

* كاتب قطري

back to top