تشكو المكتبة العربية فقرا كبيرا، مما يمكن أن يسمى بكتب التجارب الخاصة. وهي تلك الكتب التي تتطرق إلى موضوع خاص بصيغته الفردية، لكنه عام من حيث انتشاره بين فئات كثيرة من الناس. وهو خاص بمعاناة من يطأ ناره الحارقة، وعام لكونه يمس شرائح كثيرة في المجتمع، تكتوي بمعاناتها دون أن يرتفع لها صوت يقول صراحة بوجعها، لذا فإن كتاب رانيا السعد «صباحاتي سكر» الصادر بطبعته الأولى عام 2010، يمكن إدراجه تحت كتب التجارب الخاصة.

Ad

يبدو عنوان الكتاب لافتا، وأقرب إلى الرومانسية منه إلى حقيقة «يوميات أم لطفل مصاب بمرض السكر». ولقد وفقت رانيا السعد في تقديم كتاب شيق بلغة سلسة، رغم أنه يتابع مسيرة ملتاعة لأم وزوجها منذ لحظة اكتشافهما إصابة طفلهما الوحيد (ناصر) بمرض السكر، وهو في عمر الخامسة، وحتى محاولتهما التكيف مع المرض بوصفه حقيقة واقعة لا سبيل لدفعها إلا بعلاجها الصحيح من جهة، والتفاؤل العلمي بمستقبل قد يقف في وجه هذا المرض الفتاك من جهة ثانية.

وزعت رانيا السعد كتابها إلى أربعة وعشرين مشهداً، وعنونت كل مشهد بعنوان خاص به، متخذة تاريخ اكتشاف المرض منطلقا لرحلتها المؤلمة، قائلة: «تشكل إصابة طفل بالسكر علامة فارقة في حياة أسرته، حتى أننا أصبحنا من دون أن نشعر نؤرخ الأحداث بما قبل السكر وما بعده» ص15، وأظن أن العبارة بليغة في دلالتها، لكونها جعلت إصابة أحد أطفال أسرة ما بمرض السكر في مراحل حياته الأولى، خطا فاصلا بين مرحلتين، لأن مريض السكر سيصطحب معه مرغما مرضه السري، أينما ذهب وطوال عمره، فإذا ما أخذ بالاعتبار طبيعة مرحلة الطفولة، بعفويتها وأحلامها ولعبها وحركتها وفوضها الأجمل، فإن إصابة طفل بمرض السكر، تتطلب نوعا من الرعاية الأسرية الدقيقة، مثلما تتطلب جهدا شاقا لمتابعتها، وأخيرا تحمل في كل مراحلها معاناتها الموجعة بالنسبة لقلب أم ترى فلذة كبدها معرضا لنوبة سكر داهمة قد تأتيه في أي لحظة.

إن تناول مخاطر مرض السكر في كتاب طبي متخصص، تجعل من مادة الكتاب مادة علمية ونظرية جافة، تتطلب تركيزا فكريا شديدا، وسرعان ما تبعث على الملل لمن يقرأها، لكن رانيا السعد في كتابتها «صباحاتي سكر» ألبست معاناتها الخاصة ثوبا مزركشا من التشويق والإثارة، يأخذ القارئ في رحلة معرفية إنسانية، لا يمكن له معها إلا إكمال قراءة الكتاب، والخروج بالاستفادة القصوى من تجربة خاصة، استطاعت صاحبتها تأطيرها بشكل جميل، لتكون عونا نافعا لأي أسرة تعيش المعاناة ذاتها. مع تعريج المؤلفة على نواح اجتماعية قاصرة تتمثل في افتقار مجتمعاتنا إلى نواد أو تجمعات تهتم بشأن طبي أو إنساني خاص، فتشعر المريض وأسرته، بأنهما ليسا وحيدين في مواجهة النازلة، وأنهما ضمن دائرة أكبر تحمل المعاناة نفسها، وهذا بالطبع يخفف من الألم النفسي ويشد من أزرهما، كما يقدم إليهما معرفة مهمة، قد تكون من الأهمية بمكان لا يقل عن المعرفة العلمية في علاج المرض.

«صباحاتي سكر» كتاب شيق يظهر معاناة قاصمة لقلب وظهر أم، لم يقدم إليها مرض طفلها إلا مزيدا من التعلق بذلك الطفل الجميل، ومزيدا من الالتفاف حول زوجها، مثلما زادتها التجربة المريرة تصميما أكبر على معرفة ما يحيط بها علميا واجتماعيا وبالتأكيد إنسانيا.