رحب الكثير من الكتاب والناشطين بفكرة الاتحاد الخليجي، تحدوهم الآمال بتحقيق اتحاد قوي على شاكلة الاتحاد الأوروبي، وهي آمال غير قابلة للتطبيق ما لم تصلح الدول الخليجية أولاً أساسات بنيانها المتهالك، وما لم تستوعب دروس التاريخ لتأسيس الاتحاد الأوروبي وأهدافه وشروطه، ورغم الأزمة الأخيرة فإن النموذج الأوروبي يظل النموذج المثالي لمن أراد أن يطبق فكرة الاتحاد، على أن يتعلم من عثراته وأخطائه (في ما يتعلق بالوحدة النقدية) التي يسعى الأوروبيون اليوم إلى تداركها. مسافات شاسعة تفصل بين مفهومي الاتحاد الخليجي والاتحاد الأوروبي، فقد بدأت فكرة الاتحاد الأوروبي بعد نجاح تجربة الشراكة الاقتصادية للفحم والفولاذ عام 1951، ليتطور هدفها إلى تحقيق سوق مشتركة عبر تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية عام 1957، حتى توسع هدفها اليوم إلى تحقيق التكامل الاقتصادي والقانوني والاجتماعي والسياسي، أما دعوة الاتحاد الخليجي فتنطلق من الهاجس الأمني ضد الأخطار الخارجية، تماماً كدافع تأسيس مجلس التعاون الخليجي، الذي أنشئ من أجل حماية الأنظمة الأبوية بدلاً من تمثيل الشعوب وتحقيق طموحاتها. يقوم الاتحاد الأوروبي على أساسات راسخة وأهداف واضحة، ويتنازل أعضاؤه عن بعض السيادة من أجلها، وهي: ترسيخ المواطنة الأوروبية والحريات المدنية والسياسية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، كما يقوم البرلمان الأوروبي بدور تشريعي رقابي. الأسئلة التي تطرح نفسها ولا تجد لها إلا الأجوبة المفزعة، هي: كيف سيكتسب الاتحاد الخليجي شرعيته ومعظم شعوبه ليست مصدراً للسلطات، ولا تمتلك إرادة حقيقية أو مشاركة سياسية أو رقابة فاعلة؟ وهل سيكون هناك استفتاء شعبي للانضمام كما هو معمول به في الدول الديمقراطية، أم سيفرض كما تفرض القرارات الأبوية السلطوية في الكثير من الشؤون المحلية؟ هل سيكون البرلمان الخليجي، إن وجد، شكلياً كما هي حقيقة معظم المشاركات "التمثيلية" في الشأن المحلي؟ كيف سيتحول الاتحاد إلى مؤسسة راسخة، بينما تغيب المؤسسات في دوله؟ كيف إذاً سيحقق طموح شعوبه، وحرياتها المدنية والسياسية والشخصية مغيبة ومنتهكة؟ وكيف ستتحقق المواطنة الخليجية بينما مجتمعاته غارقة في وحل الطائفية والمذهبية والقبلية؟ وهل ستكون قوة الاتحاد موجهة ضد شعوبه لدرء "الخطر الداخلي" عن أنظمته، في ظل حراك "ربيعي" شعبي يطالب بالمزيد من الحقوق والحريات؟ وما الحل لتحقيق سوق مشتركة وفساد مجتمعاته ضارب الجذور في الأعماق، بل ما السبيل لتحقيق تنمية مستدامة واقتصاداته الريعية تعاني اختلالات خطيرة؟ كيف ستتحد هذه الأنظمة وهي تعيش خارج الزمن وعكس نواميس التطور؟ وكيف سيعيش "خليج ضمنا" دون معالجة مرضه العضال بدواء التحول إلى الدول الدستورية والديمقراطية الحقيقية؟ فبدون الاستجابة لاستحقاقات الإصلاح السياسي الداخلي أولاً، سنعود القهقرى وسيكتب للاتحاد الموت الروحي على الأقل كما كتب على مجلس التعاون الخليجي... "فليعيش...".
Ad