لأن الرئيس بشار الأسد, كما يبدو بل كما غدا مؤكداً, مصرٌّ على مواصلة درس حماة عام 1982، الذي كانت نتيجته إزهاق أرواح نحو أربعين ألفاً، ولأنه لا أمل بإمكانية أن يفعل العرب الرسميون شيئاً، ولا أن تتخلى جامعتهم عن صمتها المخجل الذي وللأسف قد ذهب أمينها الجديد إلى دمشق في رحلة استطلاعية وعاد وهو يسبح بحمد الإصلاحات السورية التي لا يقعقع لها بالشنان فإنه على الشعوب العربية ألا تترك الشعب السوري العظيم للذبح والمجازر، فهذا إن هو حصل عارٌ ما بعده عار وسيبقى يلاحق أجيالنا حتى نهاية التاريخ.
ماذا بالإمكان أن نفعل للشعب السوري, الحبيب والعزيز, كشعوب عربية معظمها مغلوب على أمرها...؟!إننا نستطيع أن نفعل الكثير وأول هذا الكثير هو أن نكسر صمت هذه الأنظمة المريب, مع التقدير والاحترام للبيان الأخير الذي أصدره مجلس التعاون الخليجي في هذا الشأن, وأن تكون هناك وقفة جدية نعبر من خلالها عن أن هذا الصمت هو دلالة رضا عما تقوم به قوات نظام الرئيس بشار الأسد من مجازر حقيقية في حماة وحمص ودير الزور وكل المدن والقرى السورية، أما إذا كان, أي هذا الصمت, نتيجة العجز فإنه لابد من القول إنه سيرتد ذات يوم قريب على أهله، لأن الشعوب العربية سيزداد حقدها على كل هذه الأوضاع الراهنة إذا بقي الشعب السوري يذبح بهذه الطرق الوحشية.بالأمس القريب ولأن الواقع العربي الرسمي مصاب بالشلل إزاء ما يجري في سورية لم تخجل حكومة لبنان من أن تتحفظ عن البيان الأخير الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بأغلبية أربع عشرة دولة من بينها دول محسوبة على وجهة نظر بشار الأسد ونظامه مثل الهند وروسيا، ويقيناً لو أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي لا يعرف مدى التهاون والهوان الذي وصل إليه هذا الوضع العربي الرسمي تجاه الأحداث السورية لما أعطى لمندوبة بلاده لدى المنظمة الدولية أوامر باتخاذ هذا الموقف المخزي والمدان الذي اتخذته خاصة أن المفترض أنها تمثل وجهة نظر الدول العربية.حتى روسيا, التي جعلتها حساباتها الخاصة تتخذ في البداية مواقف منحازة لمواقف نظام الأسد لم تستطع الاستمرار في صمتها السابق إزاء ما يتعرض له الشعب السوري, ولذلك وعندما يحذر الرئيس ديمتري ميدفيديف نظيره بشار من أن مصيراً حزيناً ينتظره إن لم يقم بالإصلاحات المطلوبة ويتصالح مع المعارضة في بلاده فإن هذا يعني أن الصمت تجاه ما يجري في سورية لم يعد ممكناً حتى وإن كان هناك بعض المصالح التي تقتضي مثل هذا الصمت.إنه غير مطلوب من الوضع العربي الرسمي أكثر من هذا الموقف الروسي في الحدود الدنيا، وعلى أقل تقدير، أما الاستمرار في هذا الصمت المريب فإن بشار الأسد سيفهمه على أنه تأييد لما يقوم به ويرتكبه ضد شعبه، وأنه يشير إلى أن نظراءه العرب لا يريدون انتصاراً لهذه الثورة السورية خوفاً من أن تصل عدواها إلى بلدانهم وإلى أنظمتهم.لابد من أن يكون هناك ضغط عربي شعبي عاجل من أجل دفع الجامعة العربية إلى استبدال هذا الموقف, المتخاذل المثير للشبهات والمثير للعديد من التساؤلات, بموقف شاجب على الأقل لكل هذا العنف المتصاعد الذي يتعرض له الشعب السوري منذ قرابة أربعة أشهر، أما أن ينسحب صمت الأنظمة على الشعوب فإن هذا هو الجريمة بعينها، وسيكون وصمة عار في جبين هذه الأمة منذ الآن وإلى يوم الدين وإلى نهاية التاريخ.
أخر كلام
أين الشعوب العربية؟!
08-08-2011