الأغلبية الصامتة: ربيع كويتي خالص
من ردد من "أبواق" السلطة الراحلة أن الكويت "غير" وبعيدة عن الربيع العربي أو ربيع التغيير حتى يشمل ذلك المصطلح العربي وغير العربي، كان يقصد عن عمد حصر مفهوم الربيع في إزالة الأنظمة فقط وتشويه صورة كل حراك سياسي مناهض للسلطة الراحلة و"تخوينه" ونعته بالانقلابي.والمتابع لما حدث في المنطقة العربية يلاحظ أن لكل دولة عربية ربيعها الخاص الذي تفردت فيه من المغرب الذي سابق فيه مليكها المطالب الشعبية بإصلاحات دستورية جذرية، مروراً بحفلة ركل زعيم الملايين القذافي، وانتهاءً بالكويت التي رحل فيها رئيس الحكومة وأخذ معه رئيس البرلمان بعد احتقان سياسي مزمن وضغط شعبي متصاعد. إذن ربيع التغيير حمال أوجه وكل ربيع له ظروفه والبيئة التي يستمد منها مقومات تميزه عن الوضع القائم الذي ثار عليه، ومازلت لا أصدق كيف ترك الشعب اليمني سلاحه الأثير في البيت وخرج إلى ساحات التغيير أعزل مكشوف الرأس عاري الصدر مستقبلاً رصاصات القناصة وطعنات "البلاطجة" دون أن تنفجر براكين الثأر والانتقام؟ إنها المعجزة اليمنية.
والحالة الكويتية ليست ببعيدة عن المشهد العربي، بل هي المكان الأكثر سخونة "سياسياً" منذ أزمة تعديل الدوائر الانتخابية عام 2006 وما حصل في نهاية المطاف متمثلاً في حل البرلمان للمرة الرابعة خلال خمس سنوات واستقالة الحكومة وتحقق مطلب تغيير رئاستها ليس سوى "جزء" من المطلوب، لأن الأهم هو تغيير النهج السلطوي الذي أرجع الكويت سنوات ضوئية إلى الوراء. المعجزة الكويتية ليست كبقية المعجزات، لكنها كويتية خالصة تمثلت في صعود القوى الشبابية إلى مركز اتخاذ القرار في قيادة الشارع، ليس لأنهم سياسيون مثل غيرهم، وليس لأنهم أدوات في أيدي الحركات السياسية مع يقيني أن بعضهم كذلك، ولكن لأن صوتهم وهم الغالبية التي تشكل هذا المجتمع لا يسمعه أحد، ولأنهم بحكم أعمارهم الصغيرة وطموحاتهم الكبيرة استشرفوا ملامح مستقبلهم المظلم مبكراً والمرهون بأيدي أصحاب قرار لا يعرفون ماذا يعني "تويتر"؟لقد كان بإمكان الشباب الكويتي الغرق في نعيم الحاضر الزائل، ولكن لا مفر أمامه من الوقوع في جحيم المستقبل، لا سكن لا وظيفة لا راتب لا زواج مستقرا لا تعليم جيدا لأطفاله لا علاج، وألف لا ولا، من هنا استمد الشباب وقوده من رؤيته للمستقبل ومصلحته الشخصية التي هي في مجموعها مستمدة من المصلحة العامة وليس من البرامج السياسية أو كاريزما النواب، تلك هي كلمة السر التي أشعلت الكويت هذا العام تحديداً وليس استجوابات النواب التي حوصرت بحائط صد "القبيضة".لقد أضاعت السلطة الراحلة وقتها في كسب من ليسوا أصحاب العلاقة وهم الشباب، أخذت من القوى السياسية وزراءً، أغرقت النواب المزعجين والموالين بالمجاملات، وضعت خطة تنمية لأول مرة منذ عام 1986 ولكنها مثل "بدي البورش على مكينة لادا"، تم نثر الطيب يميناً ويساراً ولم يُجدِ الطيب نفعاً أو تحمير العين الناعسة نتيجة.في الختام لقد رسم الشباب بالخط العريض ملامح المرحلة القادمة لأصحاب القرار، تحالفوا مع مستقبلنا ولن يأتيكم منا إلا الخير والعطاء والانشغال بنهضة الكويت، وغير ذلك سنعود من جديد عند آخر نقطة انتهينا منها وليس من نقطة البداية.