نمر بظروف مريرة، تعيش فيها الطائفية أزهى أوقاتها، وهو ما يجعلنا نشخص في أفق البلاد ملاك الموت رافعاً منجله لحصد الأرواح، متى ما أشعل الفتيل ووقعت واقعة الفتنة لا سمح الله، والتي لن تجدي عندها نفعاً دعوات محمد هايف ووليد الطبطبائي ولا عبدالحميد دشتي وخالد الشطي لحماية الأرواح ووقف الدم المهدور، والعجيب أن بعض هواة السياسة المحلية بفكرهم الضيق لا يتصورون ماذا يعني أن تتحول دولة صغيرة مثل الكويت إلى دولة دينية، وهي في وسط خزان بشري ضخم إلى شمالها وشرقها وجزء لامتداد ساحلها إلى الجنوب للشيعة، وخزان بشري آخر في الغرب وبقية الجنوب للسنة، وضمن هذه الحقائق فإن تحولنا إلى دولة دينية في دستورها ونهجها هو وصفة كاملة انتحارية لأي بلد في مثل ظروفنا.
تحول دولة الكويت إلى دولة دينية سيحولها، إن عاجلاً أو آجلاً، إلى ساحة لحروب أيديولوجيات المذهبين السني والشيعي المشتبكين في مناطق مختلفة بحرب باردة، وساخنة في مناطق أخرى، كما نرى في العراق والبحرين وعلى فترات متقطعة في لبنان وباكستان، وفي الكويت لن تكون الدولة الدينية إلا مشروع مواجهة مهما تم نفي ذلك، ومهما طال الزمن حتى تقع الواقعة، فمعركة التطرف مستعرة في الكويت، وكما كنا نشهد التطرف السني في أفغانستان، فإننا نرى ونسمع من التنظيمات الشيعية المتطرفة في القرى البحرينية، التي تنادي بالجمهورية وولاية الفقيه، اعترافات بأنها تتلقى دعماً مالياً وأحياناً بشرياً من بعض الجماعات الشيعية الكويتية، كما يفعل الإخوان المسلمون والسلف الكويتيون بتمويل جماعات سياسية في مصر وتونس وغيرهما لإيصالهم إلى الحكم، وستكون نتاج اكتمال سلاسل حكمهم في العالم العربي ضاغطة للامتداد إلى دول الخليج خزان الثروة النفطية الهائل!إن خطورة اندلاع المواجهة الطائفية في الكويت تكمن في قربها وكونها على تماس جغرافي مع الخزانات البشرية للمذهبين المتصارعين، والتي ستجعل من الكويت ساحة لجس النبض للمواجهة وحتى الصدام الذي سيسبقه الصراع الفكري الأيديولوجي بين متطرفي المذهبين، والذي نشهده منذ سنوات في البلاد ويشتد عنفه اللفظي الذي يعكس تصاعد حالة الاحتقان الشعبي، ولذلك فإن أمان الكويت ومستقبلها بأن تكون واحة محايدة متآلفاً شعبها في دولة مدنية تحفظ للجميع حقوقه كمواطن لا كتابع إلى مذهب ديني، ورغم أن الأغلبية من الشعب الكويتي انخرطت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في صراع مذهبي مقيت لإنقاص مقعد في هذه الدائرة أو تلك لطائفة معينة، أو حصد مقاعد أكبر يتم احتسابها على أساس الانتماء الطائفي للنائب، فإنهم عملياً أعطوا المدد للوصفة الانتحارية لأنفسهم ولبلدهم، وللأسف فإن الجمهور الذي تم استنفاره طائفياً من الطائفتين كان يعتقد أنه يمارس واجباً دينياً كما صورت له الجماعات السياسية الدينية، سيقربه من نعيم الجنة، بينما الحقيقة أنه يمارس مهمة ستزج بلده في الجحيم، وسيدفع ثمناً غالياً هو وأجياله المقبلة لو نجح التيار السياسي الأصولي في تحويل الكويت إلى دولة دينية خالصة.***رغم ما يتداول من نقد وعتب شديدين لعدم قدرة التيار الوطني المدني على إيصال أي من مرشحيه في الانتخابات البرلمانية 2012 إلى قبة البرلمان، فإنني لا أعيش حسرة أو مرارة نتائج الانتخابات الأخيرة بقدر حزني على عدم قدرة التيار المدني والوطني ونوابه ورموزه على مواجهة خطاب التحريض الطائفي من الطرفين خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وإبراز مشروع الدولة المدنية الذي تبناه التيار الوطني منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وعززه في الدولة الكويتية الحديثة عند استقلالها في عام 1961، والمؤسف أن رموز ونواب التيار الوطني كانوا يظهرون في عدة مناسبات لقضايا يفتعلها أساطين التطرف الديني السياسي خلال العامين الماضيين، للترويج لأنفسهم والتغلغل في المجتمع... وهو ما نجحوا في تحقيقه.
أخر كلام
لا سنية... لا شيعية... إنها وصفة انتحارية!
16-02-2012