أعتقد أن عنوان المقال واضح حتى لا أتهم بالاتهامات المعلبة مثل الوقوف ضد الطبقة الكادحة وغيرها، ولذلك ومن دون مقدمات لندخل في صلب الموضوع:
أولا، قيل الكثير عن دراسة وجدت أن رواتب العاملين بالنفط في الكويت أقل من نظرائهم في بقية دول الخليج، ومع أني لم أطلع على الدراسة فإني أتساءل: هل وضعت تلك الدراسة في الاعتبار عدة أمور مثل مقدار التضخم في تلك الدول وأسعار العقار بالنسبة إلى الرواتب ونسبة ميزانية تلك الدول إلى تعداد السكان وطبيعة عمل العمال في تلك الدول؟ وهل تلقى على عاتقهم مسؤوليات أكثر أم لا؟ وكذلك الفرق بين رواتب موظفي البترول وموظفي الحكومة في تلك الدول ومقارنتها بالفرق عندنا؟ثانيا، قيل أيضا إن عمال النفط هم "الطبقة الكادحة"، وهو وصف صحيح لكنه لا ينطبق على الكل، فمثلما أن هناك تسيبا في الوزارات هناك أيضا تسيب في القطاع النفطي، وإن كان بدرجة أقل، وعلى سبيل المثال، اسألوا إدارات العمليات والصيانة في الحقول والمصافي عن هذه الحالات خاصة في النوبات الليلية.ثالثا، لا أدري على أي أساس استند مجلس الخدمة المدنية في رؤيته التي رفضتها النقابات، لكنه على الأقل كان محقا في التفريق بين الإداري والفني، فليس من المعقول أن يتساوى في المميزات من هو جالس في مكتبه ومن عمله في الحقول ووحدات التكرير، وليس من المعقول أن يتساوى مدير للعلاقات العامة مثلا لا يتعدى عدد العاملين عنده الخمسين موظفا مع مدير للعمليات أو للهندسة والصيانة يندرج تحت كل منهما مئات الموظفين وتعتبر مهنتهما أكثر أهمية وخطورة.رابعا، الجميع يعلم أن هذه الزيادة بهذا المقدار ما أقرت إلا التفافا على كادر المهندسين- الذي أقر لمهندسي الحكومة- حتى يرجع الفارق الجاذب للمهندسين إلى العمل في هذا القطاع الذي يتطلب عدد ساعات عمل أكثر مع كثرة المسؤوليات والمخاطر المصاحبة لهذا العمل، ولذلك، لا أدري على أي أساس شملت الزيادة الجميع- مع أن من بينهم من هم على علم ومعرفة عالية بصميم أعمالهم ويستحقون رواتبهم!- فرواتب حملة الثانوية والدبلوم "قبل" الزيادة تزيد على رواتب نظرائهم في الحكومة بـ"50 إلى 100%" بينما رواتب المهندسين "بعد" الزيادة لا تزيد على نظرائهم في الحكومة أكثر من 35%.وباعتقادي حتى أن المهندسين لم يكونوا يستحقون هذه الزيادة ولا الزيادة السابقة قبل 3 سنوات لولا التخبط الحكومي في إقرار الكوادر العشوائية، فالإنتاجية لم تتغير حتى تتم الزيادة، والرواتب السابقة كانت كافية قبل أن يبدأ مسلسل الكوادر المكسيكي.الخلاصة أن موضوع الزيادات ليس مرتبطا بدراسة مقارنة مع رواتب دول الخليج ولا هم يحزنون، بل هو مرتبط كما قلنا في مقال سابق بمعركة تحد بين التخصصات وجهات العمل، وليس بتأمين الحد الأدنى للعيش الكريم، فكل يريد أن يكون متميزا عن الآخر، وليس في هذا عيب، لكن العيب والمصيبة أن تتم هذه العملية بهذه العشوائية المأساوية، والتي ابتدعها الشيخ أحمد الفهد قبل سبع سنوات عندما دفع لإقرار أول كادر وزيادة لدكاترة الجامعة دون عمل دراسة شاملة لجميع رواتب الدولة.وعلى إثر ذلك "انفلت السبحة" ووصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن نتيجة لتخبط الحكومة الضعيفة، وبمباركة أخيها شهاب الدين مجلس الأمة والنواب الذين يتغنون بحماية المال العام ليل نهار، وهم يساهمون ويباركون بل يحرضون على النهب العشوائي لخزينة الدولة والأجيال القادمة؛ عبر الكوادر العبثية التي زادت من التضخم وأسعار العقار، فانطبق علينا المثل "وكأنك يا بوزيد ما غزيت".ولو لاحظنا فإن كل هذه الزيادات والكوادر لم تجلب السعادة، بل زادت من مشاعر الحسد والغيرة بين كل التخصصات وزادت من حدة التنافس واستخدام أساليب الضغط، فصار الشغل الشاغل للناس كيفية التميز عن الآخر ونسوا أعمالهم، كما أن الطريقة التي أقر بها الكادر النفطي عبر استخدام أسلوب لي الذراع هي بحد ذاتها كارثة وستزيد من هذه الظاهرة بعدما وقعت الحكومة في شرّ أعمالها بعدم وضع تصور واضح لجميع وظائف الدولة؛ حتى ننتهي من هذا المسلسل "الماصخ" الذي أنهك الجميع.
مقالات
أنا في القطاع النفطي وضد هذه الزيادة!
15-09-2011