المرحلة الأصعب والأخطر والأهم بالنسبة إلى كل ثورات الربيع العربي هي نقل الحكم والسلطة من الأنظمة السابقة، التي ثارت عليها الشعوب، إلى الأنظمة الجديدة المنشودة، والسبب أن كل هذه الثورات قد تفجرت بدون تخطيط مسبق، وبدون أحزاب لها تصوراتها المسبقة، وقادرة على ضبط الأمور تحاشياً للفوضى، إلى أن يصبح بالإمكان إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، ويتم كل شيء بهدوء وبصورة سلمية وسلسة.
وحتى الآن، وكما هو واضح، فإن ثورة تونس من بين كل هذه الثورات هي التي استطاعت أن تعبر المرحلة الانتقالية الصعبة، وأن تؤسس النظام الديمقراطي المنشود الذي قدم الشعب التونسي من أجله كل هذه التضحيات، والفضل في هذا يعود إلى أمرين، هما: أن الجيش بقي يمسك بزمام الأمور حتى تم تجاوز اللحظة الخطيرة، وأن القوى والأحزاب التي التحقت متأخرة بما جرى، وفي مقدمتها حركة "النهضة" بقيادة راشد الغنوشي، قد تعاملت مع الأمور بعيداً عن نزعة الاستفراد، وأظهرت قدرة فائقة على التعامل مع بعضها برحابة صدر ومع ما يعتبر مكتسبات اجتماعية, للمرأة بشكل خاص, بطريقة حضارية أكدت أنها تعرف رغبات شعبها، وأنها استفادت من سنوات المنافي والتشريد وإقامة معظم قادتها ورموزها في دول أوروبية متعددة.ولكن وبينما لاتزال ليبيا لم يتبين بالنسبة إلى تجربتها الخيط الأبيض من الخيط الأسود بعد فإن ما يستدعي وضع الأيدي على القلوب هو هذه الانتكاسات المتلاحقة في التجربة المصرية، مع أن المفترض أن تكون مصر بتاريخها الحضاري العظيم وبحيوية شعبها وتجربة قواها السياسية, وفي مقدمتها الإخوان المسلمون, الذين بادروا بمجرد حصول ما حصل إلى تشكيل وجه عملتهم الآخر "حزب العدالة والحرية", هي المثال الذي يجب أن يحتذى في هذا المجال بالنسبة إلى العرب كلهم.والمعروف بالنسبة إلى مصر أن ثورتها مثل ثورات تونس وليبيا وسورية قد انفجرت كهبة شبابية شعبية بدون أحزاب ولا تنظيمات، وأن كل هذه الأحزاب والتنظيمات، التي تهز الآن ميدان التحرير بقبضات مهددة ومتوعدة في وجه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قد اتخذت وضعية المراقب في البدايات، وبعد أن تأكدت من النجاح والانتصار اندفعت لتأخذ حصتها من كعكة ثبت أنها لاتزال لم تأخذ هيئتها النهائية بعد.إن الشعب المصري يعرف، وكل القوى والأحزاب الحقيقية والوهمية، التي استفاقت من غفوة طويلة كغفوة أهل الكهف، تعرف أيضاً أنه لولا تدخل القوات المسلحة المصرية، ولولا أن المجلس العسكري الأعلى أخذ زمام الأمور بيده في اللحظة الحاسمة لاتخذت الأمور مساراً غير هذا المسار، ولبرزت تعقيدات كثيرة، ولربما غاصت مصر في الدماء حتى عنقها، وعمَّت البلاد حالة فوضى عارمة لو أنها حدثت, لا سمح الله, لاستمرت سنوات طويلة.الكل يذكر أن تدخل الدبابات هو الذي أنقذ شباب ميدان التحرير من مذبحة كان رتبها لهم وزير الداخلية السابق، وأن القوات المسلحة هي التي أنقذت هذه الثورة التي يدّعي الفضل في إشعال نيرانها الآن الذين لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل، ولذلك فإن اتخاذ كل هذه المواقف العدائية غير المبررة إطلاقاً تجاه المجلس العسكري الأعلى يدل على أن هناك لعبة بل مؤامرة هدفها إغراق المرحلة الانتقالية في الفوضى وفي الدماء، وإلا ما معنى أن يحصل هذا الذي حصل منذ يوم الجمعة الماضي قبل موعد الانتخابات التشريعية بعشرة أيام...؟! إن الواضح أن الهدف هو اغتيال الثورة المصرية وتحويلها إلى مضرب مثل سيئ بل ومرعب لكل الشعوب العربية.
أخر كلام
الهدف هو اغتيال الثورة!
23-11-2011