كلمة راس: واصل المنصور
ما زلت أذكر بداياتي الوظيفية في المجلس البلدي، فقد كانت أمانة سر المجلس البلدي هي محطتي العملية الأولى بعد التخرج، وعادة ما تكون البداية مفتاح المسيرة العملية لكل موظف، فإما نجاحاً يقود إلى نجاحات بعده، وإما إخفاقاً ومعاناة يقودان إلى يأس وإحجام عن المواظبة، فتقاعس يقود إلى الفشل أو الهروب إلى مكان آخر وانسحاب بأقل الخسائر.النجاح في العمل له أسبابه، بالطبع، الكثير من تلك الأسباب يعود إلى الموظف نفسه، واستعداده للبذل، والانضباط، والحرص على التعلم، والاجتهاد، وحب العمل، وحسن التعامل مع الزملاء والرؤساء، والجمهور، لكن وفي الوقت نفسه هناك أسباب لا تقل أهمية تكمن في البيئة العامة للعمل، والزملاء والرؤساء، وهذه الأسباب تؤثر كثيراً في الأسباب الأولى المتعلقة بالشخص نفسه.
ومن حسن حظي أن تكون بداياتي العملية مع مسؤول، كان غاية في الخلق، والاحترام... كان مُلماً بالنواحي الفنية لإدارته، حتى أصبح فيها خبيراً، يرجع إليه الجميع، كما كان قائداً رصيناً حازماً يهابه الجميع دون أن يبدو منه تعسف ولا ظلم، وكان أيضاً -رحمه الله- أخاً كبيراً، يجله الصغير والكبير، ويحتمون بقلبه الكبير، ويلجؤون إليه في كل ملمة وحاجة... إنه واصل المنصور، معلمي الأول في مسيرتي العملية، وأستاذي الذي قادني -بحمد الله- إلى النجاح الذي تلته النجاحات المتتالية في حياتي العملية.لا أستطيع أن أنسى كيف كان استقباله لي في أول يوم لي بالأمانة، وكيف كان يحدثني ويشرح لي مهمتي بكل لطف وأدب، ولا أستطيع أن أنسى كيف كان يتابع نشاطي، وجهدي، وتطور أدواتي في العمل دون أن يشعرني بذلك، ولا أستطيع أن أنسى أيضاً كيف كان يسبقنا بالحضور إلى الدوام، والتأخر بعدنا في الانصراف، إنه من ذلك الجيل الذي يرى في العمل تقرباً إلى الله، وخدمة للوطن والمواطن، كان يؤمن -رحمه الله- بأن الكويت لن تتقدم إلا بإخلاص أبنائها في خدمتها، واجتهادهم في تطوير أساليب أعمالهم، كان يواصل العمل معنا إلى ساعات الليل، فيزيدنا وجوده معنا حماساً، ويدفعنا حماسه إلى بذل المزيد دون تذمر ولا تململ، كان -رحمه الله- محبوباً من الجميع، قريباً منهم ودوداً معهم، صديقاً، صدوقاً متواضعاً، قلبه مفتوح للناس مثل مكتبه الذي يستقبل فيه الغريب قبل القريب، والفقير قبل الغني، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته فقد كان من خيرة الناس الذين تعاملت معهم وعملت تحت رئاستهم.