تحت رعاية سمو الشيخ جابر المبارك الصباح، رئيس مجلس الوزراء، وبحضور معالي الشيخ محمد عبدالله المبارك الصباح، وزير الإعلام، افتتح مساء أمس ملتقى مجلة "العربي" الحادي عشر، وهو بعنوان "الثقافة العربية في المهجر". ومروراً فاحصاً على جدول أنشطة الملتقى، يوضح العدد الكبير والمهم من الأسماء العربية اللامعة في مجال الثقافة والفنون المشاركة في الملتقى، وبما يستوجب تقديم الشكر والتقدير للقائمين على هذا الملتقى، وعلى رأسهم الدكتور سليمان العسكري، رئيس تحرير مجلة العربي.

Ad

إن اختيار موضوعة الملتقى يدلل على هجرة المبدع والفنان والمثقف العربي إلى أوطان أخرى واستقراره فيها، ومن ثم تكوّن ثقافة عربية في مهاجر عديدة. وهذا بدوره يدلل على أن قمعاً وتعسفاً وتضييقاً ومطاردةً وسجناً ومخاطرة لحقت بالمبدع والمثقف العربي، مما اضطره لهجرة بلده مجبراً، والاستقرار في دول أخرى، متحملاً الغربة والضياع، ومكابداً شوقه لأهله ووطنه، وكأن الإنسان مرهونا بقدرية لا يمكن الفكاك منها. لذا فإن الاستماع إلى شهادات حول ثقافة المهجر، وكذلك أمسية شعرية عربية، تقول بمواجع المهجر، والإصغاء لتجربة مترجمين أجانب عاشوا الأعمال العربية الروائية والقصصية، وأخيراً تأمل ومعايشة لوحات تشكيلية تستحضر لحظات المهجر وتسمّرها على مشجب الزمن، كل هذا مجتمعاً يجعل من ملتقى مجلة العربي حدثاً مهماً على أرض الكويت.

الهجرة والمهجر كانا على الدوام حاضرين في حياة المبدع والمثقف، وفي كل زمان ومكان، لكن أوضاع أقطار الوطن العربي، وطبيعة أنظمة الحكم الدكتاتورية القمعية، كانت سبباً مباشراً في هجرة الكثير من المبدعين العرب، وأظن أننا نعيش منعطفاً عربياً خطيراً، أو ما بات يطلق عليه "الربيع العربي"، وأنا أسميه "الشتاء العربي" لما فيه من رعود وقصف وبرق، هذا الشتاء العربي، يبدو واضحاً أنه ساهم وسيساهم، بشكل أو بآخر، بهجرات كثيرة قادمة، مما سيجعل إبداع المهجر وثقافة المهجر إلى نمو، ومما سيراكم وجع على وجع، ويجعل من إبداع المهاجر العربية، إبداعاً عربياً لا يقل عن إبداع الداخل العربي.

لقد أفرزت الثورات العربية واقعاً سياسياً واجتماعياً أقل ما يُقال عنه، أنه لا يصب في خانة حرية المبدع، وأنه سيضيف قيوداً جديدة على فكر وحركة المبدع العربي. صحيح أنها قد تختلف عن القيود السابقة، وصحيح أيضا أنها قد لا تصل إلى مطاردة وسجن وتصفية المبدع، لكنها ستغل يده، وستحجر على شيء من فكره، وليس للمبدع أي وسيلة يحلّق بها غير أجنحة الحرية. لذا والحال هذه فإن أنظارنا ستتعلق بمتحدثي ندوة العربي، ليس لكي نكتفي بسماع تجاربهم في غربتهم، بل إن طموحاً مشروعاً يحملنا لأن نستمع منهم لما يرونه في القادم من الأيام. ما سيمسّ تجاربهم الخاصة، وما سيضيف لها ويغيرها، وإلى جانب هذا، يهمّنا أيضاً الاستماع منهم إلى تقييمهم الخاص لثورات الشعوب العربية في شتائها الحالي، وتحليلاتهم كمبدعين وفنانين ومثقفين لماهية وغايات ونتائج هذه الثورات، وتأثيرها على الإبداع والفن أولاً، وعلى المتلقي ثانياً، وأخيراً على عموم شرائح المجتمع العربي.

إن بياناً ختامياً يصدر عن ملتقى مجلة العربي، يقول برؤية عقول عربية مفكرة لما يجري على أرض الوطن العربي من تشتت وضياع ودم وقتل، لهو أمر مهم ومطلوب، كونه يوضح لجمهور الثقافة ما يراه المبدع والمثقف العربي في الوضع الراهن، وما يتصوره للقادم من الأيام.

إن أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج تعيش منعطفاً تاريخياً كبيراً سيأخذها لشواطئ حياة جديدة، فكيف تراها ستكون تلك الحياة؟ هذا ما نطمع في سماع الإجابة عنه من ضيوف الكويت، ضيوف مجلة العربي الكرام!