برامج الكشافين
سوزان بويل، وبول بوتز، وجيمي بيو أسماء كانت نكرات لا يعرفها أحد قبل عام 2009، وبعد ليلة واحدة أصبحت هذه الأسماء أعلاماً في الحقل الفني، وحققت شهرة لم تكن تحلم بها. الأسماء الثلاثة خرجت من أمكنة بعيدة في الظلام إلى نور المجد والشهرة، خرجت من قاع الفقر الى عالم الثراء. وبقاؤها كل هذه السنين بعيداً عما تستحق من الشهرة أسوة بمن هم أقل منها موهبة ومقدرة لا يمكن أن نرده الا الى فقدان الفرصة التى لم يستطع أي منهم الالتقاء بها قبل ذلك العام.في البرنامج الأكثر شهرة بين برامج مشابهة له Britain got talent والذي تكررت منه نسخ كثيرة أحدها نسخة عربية تقدمت سيدة رثة الملابس فقدت أجمل أيام شبابها في قرية بريطانية، وازداد وزنها لتقول للجنة التحكيم أريد أن أصبح مطربة محترفة. كان شكلها الخارجى وطريقتها في الحديث سبباً لسخرية الجمهور واللجنة منها. وحين سألها أحدهم عن مثلها الأعلى الذي تريد أن تكونه قالت دون تردد: الين بيج. والين بيج هي واحدة من أقدر المطربات في العصر الحديث وكانت قدمت باقتدار مسرحية "قطط" للشاعر الشهير ت.س. أليوت. وتحديدا في أغنية "ذكريات". وأكثر من ذلك قالت إنها ستؤدي أغنية "حلمت حلما"، وهي أغنية قدمت في أكثر العروض شهرة في العالم Les Miserables الذي احتفل بعامه الخامس والعشرين بعد أن قدم لأكثر من آلاف المرات ليكون الأطول في العاصمة البريطانية. حين بدأت سوزان بويل الغناء وبعد الجملة الأولى اضطر الجمهور أن يقف احتراما لها حتى انتهت من أدائها وسط ذهول الحضور ولجنة التحكيم. لم تفز السيدة بويل بالمركز الأول واكتفت بالمركز ولم تغن أمام الملكة ولكنها التقت بالين بيج وغنت معها وحققت مبيعاتها الملايين لتنتقل من القاع الى القمة.
جيمي بيو هو الآخر لا تختلف قصته عن قصة سوزان بويل فهو سائق في أحد المتاجر نهاراً ويوزع البيتزا مساء. وهو الآخر اختار من نفس العرض الموسيقي الذي غنت منه بويل، ولكنه اختار أغنية "أعده الى الوطن" وسط ذهول الجمهور الذي وقف ايضا للرجل الخجول الذي خرج فجأة من رحم لا شيء الى عالم الشهرة.الأكثر مقدرة هو الثالث بول بوتز، فالرجل كان يبيع الهواتف النقالة في متجر في بريطانيا. جاء الى المسابقة الشهيرة بملابس متواضعة وعدم ايمان بموهبته ليقدم صوتا أوبراليا خارقا أبكى الحضور ولجنة التحكيم. فهو يمتلك صوتا يضاهى صوت بافاروتي الأوبرالي الشهير الذي قدم له بوتز مقاطع من أعماله. وأجمل تعليق للجنة التحكيم كان "لدينا مادة خام ستتحول الى ذهب". فاز بوتز بالمركز الأول وغنى أمام الملكة وانتقل من بيع الهواتف النقالة الى العالم الذي يحبه ويعشقه.لم يكن لهذه المواهب الغائبة أو المغيبة عقوداً من الزمن أن تجد فرصتها طوال حياتها لولا وجود برامج الكشافين الذي يستمر في البحث عن مواهب كهذه وعن قليلي الحظ. تذكرت هذه القصص لأننا بحاجة إلى بحث دائم عن مجموعة من المواهب في برامج فنية وثقافية كهذه يمنحها الفرصة الممكنة. فبالتأكيد هناك كثير من الذهب ما زال خاما كامنا في مكان ما. ونحن بحاجة إلى هذه المواهب في وقت تتراجع فيه كثيرا قدراتنا الأدبية والمسرحية والفنية والرياضية، ويرحل جيل الآباء ويختفي جيل الأبناء.