كيف تحل مصر مشكلة الأمن؟

نشر في 10-07-2011 | 00:01
آخر تحديث 10-07-2011 | 00:01
No Image Caption
 ياسر عبد العزيز رغم عوامل التشابه العديدة في الثورات والحركات الاحتجاجية الواسعة التي اندلعت في أكثر من بلد عربي منذ مطلع العام، تبقى الثورة المصرية ذات خصوصية فارقة في هذا الإطار، خصوصاً بسبب نجاحها في تفادي الغرق في الفوضى والانفلات الأمني من جهة، والرشد الذي أبدته القوات المسلحة المصرية بعدم توجيه نيران أسلحتها للمواطنين الثائرين من جهة أخرى.

لا يمكن اعتبار الأوضاع الأمنية السائدة في مصر اليوم أوضاعاً عادية؛ فالأمن ليس متوافراً بالقدر نفسه الذي كان عليه قبل اندلاع ثورة 25 يناير، وثمة انفلاتات يمكن رصدها، مثل تفجير أنابيب تصدير الغاز لإسرائيل والأردن ثلاث مرات متتالية في صحراء سيناء، والهروب المتكرر للمساجين من السجون وأقسام الشرطة، وحوادث الاعتداء على رجال الشرطة في أكثر من محافظة من محافظات البلاد.

هناك ارتفاع ملموس في أعداد الجرائم المختلفة، وهناك تسيب في الحالة المرورية، وتعدٍّ متكرر على الأراضي الزراعية، وتفاقم في مخالفات البناء، وسرقات وبلطجة، لكنها جميعاً تحدث في إطار محدود إذا ما تمت مقارنتها بحالة أمنية لم تكن أبداً مثالية في السابق.

يظل الجمهور في مصر قادراً على التعامل بشكل طبيعي والحصول على مطالبه وقضاء التزاماته في معظم الظروف والأحوال، لكن الأوضاع ليست مطمئنة لدرجة تسمح بتدفق السائحين، وإقامة منافسات كرة القدم الساخنة، والانخراط في عملية انتخابية شرسة تشمل كل منطقة من مناطق البلاد.

يمكن للكثيرين توقع تحسن الأحوال بعد هدوء الأمور، وانتخاب مجلس شعب ورئيس جمهورية وسن دستور جديد، لكن بعض الشواهد تشير إلى صعوبة أن يتم ذلك في ظل جهاز أمني لا يتمتع بثقة المواطنين، وبعض كبار قادته متورطون في جرائم قبل ثورة 25 يناير، فضلاً عن تورطهم في أحداث قتل بعض شهداء الثورة وإصابة آخرين خلال محاولتهم حماية نظام الرئيس السابق حسني مبارك.

انسحبت الشرطة من شوارع مصر وميادينها انسحاباً مبرماً حينما كانت البلاد في أشد الحاجة إليها يوم 28 يناير الماضي، ولذلك فقد ترك هذا الانسحاب جرحاً عميقا في نفوس المصريين، خصوصا أنه ترافق مع أنباء ذات وجاهة عن تورط بعض رجال الشرطة في محاولات لترويع المواطنين الآمنين.

مشكلة الشرطة في مصر كبيرة وحلها سيكون في غاية الصعوبة؛ إذ تم تضخيم دور هذا الجهاز عدداً وعتاداً، كما تم منحه مسؤوليات واسعة جداً امتدت إلى التحكم في كل مظهر ونشاط من مظاهر الحياة المصرية وأنشطتها، بل كان رجال الأمن في عهد مبارك قادرين على التحكم في نتائج الانتخابات واختيار الوزراء وعمداء الكليات وأساتذتها والقضاة والإعلاميين العاملين في وسائل الإعلام الحكومية، بل والتحكم في وزارات الأوقاف والتعليم وغيرها.

وقد ترافق هذا الاتساع في دور جهاز الشرطة مع تقديمات مالية واجتماعية غاية في المحدودية والتواضع للعاملين به، مما دفع كثيرين منهم إلى محاولة التكسب لسد احتياجاتهم أو تلبية أطماعهم من خلال الرشى والمخالفات. وقد اقترن هذا الميل الواضح للتربح لدى بعض عناصر جهاز الشرطة بانتهاج أساليب التعذيب والإهانة للمواطنين كلما كانوا بسطاء أو مهمشين وغير قادرين على الدفاع عن حقوقهم.

يبدو أن مصر لديها مشكلة أمنية تتفاقم يوماً بعد يوم، وسببها ميراث الفقر والبلطجة وآلاف المهمشين والخارجين على القانون، الذين أنتجهم النظام السابق واستثمر فيهم، وهزيمة جهاز الشرطة المادية والمعنوية، وعجزه عن الوفاء باستحقاقات دوره ووظائفه ومهامه، وفلول النظام السابق الراغبة في تفجير الأوضاع لإعادة إنتاج نفسها، أو على أقل تقدير للانتقام من الثورة والشعب الذي احتضنها.

لن يكون بمقدور الجيش المصري، بسبب طبيعة دوره، وعديده، وأنماط تدريبه وتسليحه وانتشاره، أن يحل الإشكال الأمني الداخلي جذرياً، ولا يستحسن أن تعود البلاد الى فكرة «اللجان الشعبية»، وهي تشكيلات من المواطنين قامت بحفظ الأمن حينما انسحبت الشرطة تماماً، وكان لها جوانب إيجابية واضحة في بداية تشكلها، قبل أن تظهر عيوبها التي أنذرت بمخاطر كبيرة، كما أنه لا يبدو أن الشرطة بوضعها الراهن قادرة أو راغبة في حفظ الأمن وصيانته.

سيكون من الصعب جداً أن تنتظم حركة الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مصر من دون حل جذري خلاق لمشكلة الأمن، وسيكون من الأصعب إجراء انتخابات عامة في أعماق البلد في ظل هذا الانفلات الذي يغري بالبلطجة والعنف والتجرؤ على القانون.

تحتاج مصر حلاً مبتكراً جريئاً لمواجهة وضع حرج غير تقليدي، حيث يزيد الطلب على الأمن إلى أقصى درجة ممكنة، ويتقاعس، أو يعجز، الرجال المنوط بهم تحقيقه عن الوفاء بواجباتهم حياله.

يمكن لمصر أن تتجاوز هذا الإشكال إذا أنشأت القوات المسلحة جهازاً عسكرياً تحت اسم «الحرس الوطني»، يكون جزءاً من المؤسسة العسكرية، لكن مهامه تقتصر على تحقيق الأمن الداخلي، ومكافحة الإرهاب، وتأمين المنشآت الحيوية، وحماية الأنشطة الاقتصادية والعمليات السياسية، والمساعدة في الحالات الطارئة.

يعمل «الحرس الوطني» المقترح إنشاؤه بمصر بالتوازي مع الشرطة، ويسد الثغرات التي تنشأ عن عدم قدرتها أو رغبتها، ويرتدي زياً مختلفاً عنها، ويستخدم مقار وآليات غير تلك التي تستخدمها، ويضم قوات «الدفاع الشعبي»، ومجندين من الجيش، وضباطاً وصف ضباط من متقاعدي الجيش، ودفعات حديثة من الشرطة والشرطة المتخصصة، ومن المؤكد أنهم جميعاً سيكونون قادرين على تحقيق الأمن، وفق قواعد وأخلاقيات وقيم وآليات أفضل من تلك التي ثار ضدها المصريون.

«الحرس الوطني» بتلك الصيغة ليس بدعة، بل هو معمول به في الولايات المتحدة، ويبلي بلاء حسناً، خصوصاً في الولايات التي تتعرض لكوارث أو حوادث إرهابية، وينضم إليه مواطنون مدنيون، يتم اختيارهم بعناية، للعمل به بعض الوقت.

وبدلاً من أن يظل المصريون يندبون حظهم لأن الشرطة «لا تقدر أو لا ترغب»، وبدلاً من أن تتهدد ثورتهم بسبب نقص الأمن، يمكن لهم التفكير في إنشاء «الحرس الوطني المصري»، الذي يمكنهم من تحقيق عنصر الأمن الضروري جداً لبلوغ أهداف الثورة.

* كاتب مصري

back to top