القصيدة ليست لأحد

Ad

ليست لأنثى بعينها

ليست لرجل بذاته

القصيدة ليست سوى للشِّعر،

أي كلام غير هذا، ليس سوى تهريج وضحك على الذقون،

ليس هناك ما هو أكثر سطحية من سؤال يوجه لشاعر يقول:

لمن هذه القصيدة؟!

طبعا يقصد من هي تلك التي كتبت لأجلها القصيدة، وبتعبير أكثر رقياً المقصود هو: الملهمة!

الملهمة في الشعر ليست سوى شرارة،

أما القصيدة حريق مجنون،

فكيف يُنسب الحريق العظيم لمستصغر الشرر؟!

ذلك الحريق الذي يلتهم الأخضر والأصفر ويتضمن اللهب الأزرق ويوقد جذوة اللون الأحمر، ويخلّف فحما ورمادا يتضمن كل تدرجات الألوان ما بين الأسود والأبيض، القصيدة كرنفال الألون فكيف تجرؤ شرارة لا تملك من لونها شيئا على الادعاء بأن ذلك الكرنفال الخلاق لها!

الملهمة في الشعر ليست سوى حجة وذريعة غير ضرورية لكتابة القصيدة، قد تكون حجة جميلة وربما رائعة لكنها ليست ضرورة.

الشاعر قبل كل شيء إنسان، له احتياجاته الإنسانية الأساسية، ومنها أن يحِبّ وأن يُحب، لكنه لن يعجز عن خلق قصيدة لو لم يجد هذا الحب في أنثى،

فقد يجسّد هذا الحب في ضوء نجمة

في شجرة

في جرة ماء كما فعل علي محمود طه

في طموح كما فعل المتنبي

في الوجود كما فعل المعرّي

وقد يُجسّد هذا الحب في الخالق العظيم لهذا الوجود كما فعل شعراء الصوفية،

نار الشعر ليست بحاجة إلى تصريح أنثوي مختوم بأحمر الشفاه لتشتعل،

وليست بحاجة لإغراء كحل لتضيء

وليست بحاجة لشال أنثى لتصبح دافئة

ولا لحضن أنثى لتتقي المطر

القصيدة تعرف دائما منفذا للخروج

وتعرف طريقا لكينونتها

لا يعزّ عليها السبيل إلى التكوّن،

بل انني أذهب أبعد من ذلك وأزعم أن القصيدة قادرة على خلق ملهمة من العدم، بينما تعجز الملهمة أن تخلق قصيدة من لا شيء!

بل أنه يمكن خلق قصيدة من ملهمة ليس لها وجود أصلا!

الملهمة مهما عظمت لا يمكن أن تخلق قصيدة من شخص ليس بشاعر مثلا، بينما يخلق الشاعر قصيدة ربما رائعة من ملهمة عادية جدا، وبسيطة جدا، وربما ساذجة جدا، وقد لا تفقه في الشعر شيئا، فيعظُم شأن الملهمة بعظمة القصيدة.

ليلى، ولبنى، وجميلة، وعزّة... و... و... كلهن نساء عاديّات، بل ان بعضهن ربما غبيات وحمقاوات، إلا أنهن خُلّدن بالقصائد المبدعة، أي أن وجودهن لم يكن لولا وجود تلك القصائد،

تلك القصائد التي بقيت كمراجع للعشاق يتتلمذون على حروفها هي التي أسدلت ستائر من البهاء والعظمة على شخصية بعض أولئك النساء، ومحت عنهن عاديتهن.

تلك القصائد هي من أوجدتهن، وليس هن من أوجدن تلك القصائد،

لذا من السذاجة أن نعتقد أن الفضل في كينونة قصيدة يعود لأحد،

القصيدة قبل أن تكون وتخلق هي أما لفكرة، أو لحالة

ولحظة تكوينها وخلقها هي للمجهول

وبعد أن تكون هي: إما للشعر...

أو لسلة المهملات.