اللافت للنظر أن المناخ الثقافي الذي ساد منطقة أثينا في عهد أفلاطون جعل من علوم الفلسفة حديث المدينة وتبلور في جميع الاتجاهات الفكرية والتيارات وذلك لحفاظ أثينا على الجاذبية الثقافية والإبداعية وسعيها لتبقى مركزاً ثقافياً للعلماء وطلبة العلم, حتى فيثاغورث صاحب النظرية الرياضية المعروفة كان من الفلاسفة المعاصرين له.
«الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لامبالاتهم بالعامة هو أن يحكمهم الأشرار»... أفلاطون (427 ق .م- 347 ق .م)عرف الفيلسوف اليوناني أفلاطون بأفكاره التي سجلها قبل قرون عديدة، وأطلق عليها «محاورة الجمهورية»، وهي عبارة عن «دراما فلسفية» كتبها بهيئة حوار بين تلميذ وأستاذه حول قضايا استشعرها قبل مئات السنين, أثارت شغف علماء السياسة والفلسفة وفضولهم لما فيها من أفكار صالحة للزمن الحديث.ولد أفلاطون في أثينا ابنا لعائلة أرستقراطية, محباً للحياة الشعبية وكارهاً لحياة الترف والغنى، مبتعداً عن الطموح والسعي وراء المناصب السياسية, متأثراً بشخصية أستاذه «الشعبي» سقراط تارة وبفكر النخبة تارة أخرى, ولم يتقبل فكرة الدستور الديمقراطي المطبق بأثينا، وذلك عندما شاهد دور الحزب الأرستقراطي في الصراع الذي شب في المنطقة لمدة ثلاثين عاماً.ولو حاولنا الوصول إلى العوامل التي ألهمت أفلاطون للتبحر في علوم الفلسفة والسياسة لوجدناها عديدة؛ أبرزها المشهد السياسي المحلي، أي وجود أقطاب متنازعة متمثلة بالدولتين المتناقضتين «أسبرطة» ذات النظام الصارم والتي أنفقت ما تملك لتتفوق عسكرياً, أما الدولة الأخرى فهي «أثينا» ذات النظام الديمقراطي المهتمة بالثقافة والفنون...الأمر الذي دفع أفلاطون لكتابة السيناريوهات على هيئة حوار مستذكرا أصحابه الذين قتلوا في الحروب التي اشتعلت بين الطرفين, ولم تخل الكتابات من البغض لبعض النظم الديمقراطية، كما يقول الكاتب الدكتور محمد ربيع في كتاباته حول الفكر السياسي الغربي والنزعة نحو كتابة ملامح المدينة الفاضلة.اللافت للنظر أن المناخ الثقافي الذي ساد منطقة أثينا آنذاك جعل من علوم الفلسفة حديث المدينة وتبلور في جميع الاتجاهات الفكرية والتيارات وذلك لحفاظ أثينا على الجاذبية الثقافية والإبداعية وسعيها لتبقى مركزاً ثقافياً للعلماء وطلبة العلم, حتى فيثاغورث صاحب النظرية الرياضية المعروفة كان من الفلاسفة المعاصرين لأفلاطون.أما اليوم ونحن نبحث في أسباب هبوب رياح «ربيع العرب» في بعض الدول العربية، واشتعال الشارع رغبة في التغيير في دول أخرى، نستذكر بعض النقاط التي جاءت في «حوارات» أفلاطون الفلسفية التي تنطبق، في اعتقادي، على الأوضاع الحالية في العالم العربي, وهي:• «تقدم الصراع الحزبي على مصلحة الدولة».• «بروز الأنانية الحزبية الناتجة عن تعارض المصالح التجارية».• «عدم الاستقرار النسبي في نظام الدولة المدنية والناتج عن الأنانية».• اتجاه البعض إلى المبالغة في مساعدة المواطن على حساب المال العام.• «تأثير صراع الدول على الوضع السياسي المحلي وتدخل جهات خارجية»... حيث كانت أطراف النزاع حكومتي أثينا وأسبرطا قبل استدراج دولة فارس لتصبح طرفاً دخيلاً.ويتضح لنا مما سبق أن سعي الدول خلف الجاذبية الثقافية والإنفاق على العلم والمعرفة عنصران مهمان لاستقرارها ورواجها... بالإضافة إلى أن الأحداث التاريخية أكدت صدق رؤى أفلاطون... ولنا لقاء آخر أخي القارئ مع فلاسفة ومفكرين آخرين.كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
فلسفة أفلاطون في إدارة شؤون الدولة
14-06-2011