بين القرني وسلوى العضيدان
قبل عدة أشهر كان الحديث يدور همسا، في ما يتعلق بالقضية المرفوعة من الكاتبة السعودية سلوى العضيدان، ضد الشيخ عائض القرني، فهذا الأخير «سطا» على كتاب «هكذا هزموا اليأس» للمؤلفة العضيدان، وقام بنسبته إلى نفسه في كتاب جديد، لم يتغير منه سوى العنوان، إذ أطلق القرني على كتابه المسروق عنوان «لا تيأس». وبالطبع ما كان يدور همسا، تحول إلى سجال محتد، ومن ثم صرخة أطلقتها، لجنة حقوق المؤلف في وزارة الإعلام السعودية، وهي الجهة المخولة إطلاق الحكم، حين حسمت القضية للعضيدان، وأقرت بأن الكتاب مسروق عن بكرة أبيه، وهو الأمر الذي كلف الشيخ القرني 330 ألف ريال سعودي فقط! وتضمن الحكم سحب كتاب «لا تيأس» من الأسواق، ومنع إعادة طبعه مرة أخرى. قد لا يكون الحكم مغلّظا بما فيه الكفاية، لجهة المادة، فمبلغ 300 ألف ريال لا يساوي شيئا، لجهة الأرباح التي جناها القرني، ومعه الجهة الناشرة أيا كانت، فالكتاب، باعتراف دار العبيكان ذاتها يأتي في قائمة الأكثر مبيعا وبيعت منه أكثر من مليون نسخة في طبعته الأولى، ولو قدّرنا جدلا أن سعر النسخة الواحدة 50 ريالا سعوديا، فإن ذلك يعني أن ربح الشيخ القرني، ومعه الناشر فاق خمسين مليون ريال، لك أن تتخيّل ذلك، خمسين مليون ربحا، من كتاب مسروق جملة وتفصيلا، ومع ذلك لا يغرّم الشيخ سوى 330 ألفا، أما صاحبة الحق العضيدان فلم تشأ أن تستأنف الحكم، لأن المادة لم تكن شاغلا لها، بقدر ما يهمها رد الاعتبار معنويا، بعد أن هوجمت من بعض «المطاوعة» وتلاميذ الشيخ، ومريديه، وقالوا هي طالبة للشهرة لا أكثر، وأوصاف أخرى. ثمة تفاصيل كثيرة في هذا الموضوع تناقلتها وسائل الإعلام، من قبيل الحوارات التي دارت بين الشيخ القرني وناصر العضيدان (زوج المؤلفة)، فقد اعترف الشيخ وقال حرفيا: «حصل سطو على الكتاب»، وأبدى استعداده للصلح وديا، وتنفيذ الشروط التي يطلبها العضيدان، وحين جاء على شرط، سحب الكتاب من الأسواق، اعترض الشيخ القرني، وأبدى مكابرة عجيبة، وقال ما معناه إن قيادات كبيرة في وزارة الإعلام تقف إلى جواره، وهنا انقطع الحوار، ولجأ الطرفان إلى القضاء، وما زاد الطين بلة ذلك العرض الذي قدّمه الشيخ بمبلغ عشرة آلاف ريال لإسكات صاحبة الحق، عشرة آلاف!... وربح الكتاب يفوق خمسين مليونا! نقرّ من ناحيتنا بأن جل ما ننقله هنا جاء عن أحد أطراف الخصومة، لكن القرني لم يخرج إلى الملأ، ويوضح موقفه، أو حتى يدافع عن نفسه، كل ما نسمعه «قسم» يصدر من سلوى العضيدان، وزوجها، بمصداقية كل ما يدور من حوار بينهم وبين الشيخ القرني. نثني كثيرا على موقف لجنة حقوق المؤلف في وزارة الإعلام السعودية بأن أعادت الحق إلى أصحابه، فليس من كبير أمام الحق والقضاء، وأتعجب كثيرا هذا اللهاث وراء المادة من قبل الشيخ القرني، وأمثاله ممن يخرجون على الملأ في الفضائيات، ويفوق مدخولهم السنوي ملايين الريالات، بينما هم يتحدثون في الدعوة إلى الأخلاق، والمبادئ، وهي أمور في جملتها لا تضع اعتبارا للربح المادي الدنيوي، نحن لا نهضمهم حقهم، لكن أن تستخدم الدعوة، والدين للربح المادي فهو أمر يستحق الوقوف عنده، ليس ذلك فحسب بل إن القرني يعرض عشرة آلاف على العضيدان، الحوار طبعا كان عن طريق زوج المؤلفة. اللهاث وراء المادة يضع القرني وأمثاله، كثيري الظهور في الفضائيات، في مواقف لا يحسدون عليها، فمثل هؤلاء يكتبون للصحف اليومية، ويعدون ويقدمون البرامج، وينخرطون في دروس، وربما يقدمون المحاضرات في الجامعات (الأمر ينطبق على الليبراليين والإسلاميين على السواء). ليس من وقت هنا لإتقان العمل، لذا يسهل على أحدهم تكليف مجموعة تلاميذ استنساخ وتأليف الكتب، ومن ثم وضع العنوان، وإعادة نشرها باسم الشخص/ الرمز، الذي تتابع كل الناس أعماله، ولقاءاته، وبذلك يجني الربح المادي بأقل مجهود، وإن لم يكن هؤلاء التلاميذ دقيقين فإن الأمر سينتهي حتما إلى سرقة، ومن ثم فضيحة كتلك التي نقرأ عنها الآن، والأمثلة في ذلك كثيرة.