في لقاء أجرته معه جريدة «الشرق الأوسط» في عددها رقم 11898، بتاريخ 26/6/2011، أفاد الدكتور علي بن تميم، المدير العام لمشروع «كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، بأنه قد أُنجزت ترجمة أكثر من 500 كتاب أجنبي إلى اللغة العربية، منذ إنشاء المشروع قبل ثلاث سنوات. وإذ كنا نشاطر الدكتور علي بن تميم اعتزازه بالإنجاز الكبير الذي حققه مشروع «كلمة»، فإننا من جهة أخرى نشعر بمرارة كبيرة أيضا، ونحن نتابعه يقول: «هناك كتب عربية كثيرة تمّ ترجمتها ونشرها لكنها لم تجد من يوزعها في الغرب، فالكتاب العربي يواجه تحدي التوزيع، وذلك لعدم وجود مؤسسات وشركات معنية بتوزيع الكتب، نحن في المشروع نواجه هذه المعضلة، مطلوب منا أن نترجم الكتاب وننشره ونوزعه، لكننا نطمح أن نتمكن في المستقبل من نقل وترجمة الثقافة العربية إلى اللغات الأخرى».

Ad

أعرف تجارب عربية كثيرة، لكتب تُرجمت إلى الإنكليزية أو الألمانية أو الفرنسية، وهللت الصحافة العربية لتلك الترجمات، وغمر الفرح قلوب مؤلفيها من الكتّاب العرب، لكن تلك الترجمات، وبالرغم من أعدادها القليلة، مقارنة بإصدرات الكتاب الأجنبي، واجهت تجاهلاً وصدى كبيرين من قبل القارئ والناقد الغربي، وظل بعضها حبيس السراديب سنوات، مما أضطر الناشرين إلى إعدمها للاستفادة من إعادة استخدام ورقها.

صحيح أن القارئ العربي في حاجة الى التواصل مع فكر وعلم وأدب وفن الآخر، في مختلف مناحي المعرفة الإنسانية، عبر الترجمة إلى اللغة العربية، لكنه صحيح أيضاً أن المكتبة العربية، تكاد تغص بالكتب المترجمة، وأن ركضاً ولهاثاً عربيين وراء ترجمة الكتاب الأجنبي إلى اللغة العربية، صار يجب أن يعاد النظر فيهما. وصار يجب غربلة ودراسة الفائدة المتحققة من ترجمة هذا العدد الهائل من الكتاب الأجنبي.

مؤسسات عربية كثيرة، رسمية وأهلية، جعلت من ترجمة الكتاب الأجنبي إلى اللغة العربية شغلها الشاغل، وجرى ما يشبه سباقاً محموماً لترجمة أعلى عدد ممكن من الترجمات سنوياً، لكن دون النظر إلى مستوى هذه الترجمات، والجدوى الحقيقية التي تحققت من ورائها.

قبيل وفاة المفكر الفلسطيني العالمي إدوارد سعيد بأسابيع قليلة نشر مقالاً في مجلة «اللوموند ديبلوماتيك» ذكّر فيه بإطروحته الأساسية حول الاستشراق، وأن المواطن الغربي، ما زال أسير صورة بائسة للعربي ترسبت في ذهنه عبر قرون. لذا فإنني أعتقد أن الخطوة الأولى للوصول إلى الآخر الغربي، في شرق العالم وغربه، يجب أن تنطلق أساساً من محاولة إعادة رسم صورة الإنسان العربي المعاصر في ذهن الآخر. وربما شكّل ظرف الانتفاضات العربية الشعبية السلمية، فرصة نادرة لزحزحة الصورة النمطية عن العربي في ذهن الآخر، وإحلال صورة بديلة جديدة ومعاصرة عنها.

الناشر حيثما كان في الشرق أو الغرب هو في المحصلة تاجر، وهو كمؤسسة تجارية يسعى ويتعيش على الربح، لذا وجب على مؤسساتنا الثقافية إن تتوجه إلى أهم دور النشر الغربية، وتدخل معها في نقاشات مستفيضة لحالة سوق الكتاب العربي في الغرب، أملاً في الوصول إلى عقود ترجمة ونشر للكتاب العربي وفق المعيار الغربي الصحيح، وبما يحقق للناشر الغربي الربح المالي، ويمكّن الإبداع العربي من الوصول إلى القارئ الغربي. وأظن أن مخيلة دور النشر الغربية المتمرسة في عملها التجاري، لن تقف عاجزة لإيجاد الطريقة، أو الطرق الأنجع، لتوصيل انتاجها الثقافي العربي إلى قارئها الذي تعرف تماماً كيف تتعامل معه.

أمم كثيرة كرّمت كتّابها وأدباءها، وصعدت بأعمالهم الإبداعية المستحقة إلى العالمية، لتأخذ تلك المؤلفات طريقها الى قلب وذهن القارئ في كل مكان. وربما كان أمام المؤسسة الثقافية العربية فرصة ذهبية في التواصل مع المترجم والناشر الغربي لتسويق إبداعها وفكرها المستنير، والمساهمة في إعادة رسم صورة العربي في المخيلة والذهن الغربيين.