تبادل مؤخراً الزميلان العزيزان علي البغلي وحسن العيسى استقراء الأسباب التي أدت إلى عدم نجاح النائبين السابقين صالح الملا ود. أسيل العوضي في انتخابات 2012، وبلاشك فإن الأمر يستحق البحث والتدقيق لأن الملا والعوضي قيمة كبيرة للتيار المدني فقدهما سيتسبب في ضياع مواقف وأداء، البلد في أشد الحاجة إليهما في الظروف التي يمر بها من توتر وتعصب وحالة مقيتة من الاصطفافات الطائفية والفئوية تستدعي وجود أصوات الاعتدال التي تعلي قيم المواطنة والدولة المدنية الدستورية.

Ad

ورغم أنني لا أتفق مع سبب الزميل العيسى في أن غياب النائبين عن ساحة الإرادة هو ما تسبب في سقوطهما، لأن صالح الملا موجود في الساحات، منذ أن بدأت في ساحة الصفاة وانتهت في ساحة الإرادة وختمت بطلقاته الخمس الشهيرة في جمعية الخريجين، وكذلك د. أسيل العوضي التي ألبستها المعارضة العقال ووصفتها بأنها تساوي ألف شارب، بعد أن صوتت بحجب الثقة عن وزير الداخلية السابق الشيخ جابر الخالد، وأيدت أيضاً مساءلة رئيس الحكومة السابق عن أحداث ديوان الحربش، فإنني أتفق معه على أن موقفهما الرمادي هو ما تسبب في فقدهما أصواتاً كثيرة، لكن الموقف الرمادي هذا كان إزاء اقتحام مجلس الأمة الذي كانت أغلبية دائرتهم من المعتدلين يرفضونه بخلاف ناخبي وجمهور التيارات الأصولية، ومن تم استقطابهم بالطرح الطائفي المستعر في العامين الماضيين، الذين يؤيدون هذا الفعل وهم لا يمثلون أي قيمة تصويتية للملا وأسيل... ويصبون أصواتهم لقوائم فيصل المسلم والطبطبائي والحدسيين وخلافهم من الإسلاميين، ورغم أن أسيل حاولت في حملتها الانتخابية أن تصحح هذا الوضع وتشجب أفعال المعارضة الفوضوية لكن كان الوقت متأخراً ويبدو موقفها غير جدي وصادق.

وبجانب ذلك فإن مصداقية الثنائي الملا والعوضي جرحت بشدة في الدائرة الثالثة، بعد أن قدم الملا استجوابه لرئيس الحكومة في ديسمبر 2010 عن أحداث ديوان الحربش، ثم عاد في يونيو ليبارك له تجديد الثقة به في صور تصدرت كل الصحف في حينه، إضافة إلى خسارتهما شريحة انتخابية مهمة في الدائرة الثالثة من الشيعة الذين كانوا يتعرضون على جانب تجمعات ساحة الإرادة للهمز واللمز ومشاركة بعض القوى الدينية المتطرفة في هذه التجمعات دون أن يبذل أي من نائبي التيار المدني عن الدائرة أي جهد لاستنكار وشجب ذلك، وهو ما نزع تأييد جانب كبير من تلك الشريحة لهما.

المؤكد أن صالح الملا وأسيل العوضي أضاعا جمهورهما وكانا يؤديان سياسياً لصالح جمهور الخصم الأصولي الذي خسر انتخابات 2009، ويتطلع للعودة بقوة، فجمهور أسيل هو الذي منحها 11 ألف صوت بعد أن رفضت صراخ النائب مسلم البراك في ندوة انتخابية في حملة انتخابات 2009 في إحدى الجامعات الخاصة، وطالبته بالهدوء لأن البلد ضجت بالصراخ، لكنها اصطفت معهم في المجلس وقبلت شرف لبس "عقالهم"!... إضافة إلى إهمال الملا وأسيل حقيقة مهمة طالما تم تأكيدها وهي طبيعة الدائرة الثالثة التي تتكون غالبيتها من الطبقة المتوسطة التي لم تجد صدى لقضاياها وتطلعاتها لدى أسيل العوضي التي ركزت على قضايا مطلبية للمرأة وقضايا ومواقف تهم رجال الأعمال، وتركيز زميلها الملا على قضية تطبيق القوانين الرياضية، بينما يعاني ناخبوه مشاكل جدية في الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية والبيروقراطية الإدارية، إضافة إلى تصويت الملا الجدلي بالسماح للعسكريين بإعفاء اللحى.

لاشك في أن سر خسارة الملا وأسيل يجب أن يمحص ويدقق لكي يصححا الأخطاء ويعودا بقوة أكبر، وحتى لا نخسر في المستقبل عناصر مؤهلة وكفؤة من التيار المدني الوطني، لأن خسارة مثل تلك العناصر الثمينة ندفع ثمنها غالياً تراجعاً وتزمتاً وتخريباً لوجه الدولة المدني الحضاري، ولذلك نتمنى أن يبقى الملا وأسيل ناشطين في الحياة العامة ثقافياً وسياسياً، ونتمنى لهما التوفيق والعودة المظفرة.