شعر الصوت
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
غادجي بَري بِمبا غلاندْريديلاولي لونّي كادوري غادجاما غرامّا بَريدا بمْبالاغلاندريغلاسّاسّا... في «دادا: الفن وضد الفن» (1964) كتب هانس ريختر عن الحدث قائلاً: «كان هذا أكثر مما ينبغي. فالجمهور، كمن يتعافى من ارتباك الوهلة الأولى، سرعان ما انفجر... واستجاب إلى الشاعر بال بعاصفة من التعاطف». ولعل الظرف آنذاك، ظرف اليأس الذي فاضت به سنوات الحرب العالمية الأولى، يقف وراء عواطف كهذه. ما إن انسحب الشاعر «هوغو بال» من الساحة، حتى شغل الفراغ شاعر لا يقل دراية هو «كَرت تشفيتَرز» (1887 - 1948). المتحمسون لهذا الضرب من الابتكار يجدون قصيدته «يورسونيْت» تحفة رائعة للمرحلة المبكرة من حركة «شعر الصوت». قرأها الشاعر «تشفيترز» في «بوتستام» عام 1925، واستقبلها الجمهور بالحماس ذاته الذي عرفناه مع قصيدة «بال». تقول القصيدة: أووووووووووووووووووووووووووووووووبي بي بي بي بي بي بي بي بي بي بي بي أوووووووووووووووووووووووووووووو زي زيزيزيزيزيزيزيزيزيزي... في «قصيدة الصوت» عادة ما تُحرّف العلاقة التراتبية بين صوت الكلمة ومعانيها. ولعل الذي ساعد على هذا هو هذا الميل إلى التمرد على سطوة الثقافة المطبوعة من جهة، واندفاع باتجاه اعتبار العمل الشعري «شيئاً في ذاته»، وما من معنى خارجه يسعى إليه التفسير والتأويل. هذا الميل جعل القصيدة مجرد تكوين بصري من جهة، ومجرد تكوين صوتي من جهة أخرى. «قصيدة الصوت» تسعى، كما جاء على لسان أحد روادها: «إلى تحطيم الرابط النحوي للجملة، والتخلي عن صيغ الصفة والحال، واستخدام الرموز الرياضية والموسيقية بدل النقطة والفارزة، ورمي نظام الصورة في لجة الفوضى، وخلق مخيلة غير مُعاقة، وقتل الرزانة، وجعل الأدب قبيحاً بصورة لا رحمة فيها». إنها شكل فني يوصل بين ضفتي ما هو أدبي وما هو توليف موسيقي، حيث تتصدر فيها الهيئة الصوتية للكلام بدلا من أن تحتل قيم المعنى هذه الصدارة: شعر دون كلمات. ولذلك عادة ما يؤلف «شعر الصوت» للإلقاء فقط. في أواخر سنة تسعين من القرن الماضي كتبت عن عرض قدمه الشاعر الفرنسي «هنري شومان» (1922-2008) في لندن: «إن حضور الأمسية الشعرية للسيد هنري شوبان (شاعر فرنسي) يشبه حضور عرض تهريجي هدفه الإدهاش. لأن التنويعات الصوتية التي مصدرها الحنجرة البشرية هي النص. ولا يستهدف هذا معنى ما وراءها، بل هو معنى في ذاته. ولذلك تبدو رؤية الرجل على خشبة المسرح بين مكبريْ صوت على جانبيه، ومع لاقطة صوت تطبق على شفتيه، وحفنة انفعالات وتقلصات تتوزع وجهه ورقبته بفعل الجهد الاستثنائي الذي يتطلبه التنويع الصوتي، تبدو هذه الرؤية، لمتذوق شعر مثلي، أشبه بدعابة ثقيلة الدم. ولكن الإحاطة بأفق الشعر الغربي، والشعر الفرنسي خاصة تخفف ثقل الدم هذا، وتمنح لهذه المحاولات الجسدية المتشنجة بعدا مقبولا. لأن نظرية النص لذاته لا تترك مجالا للتعامل معه على أساس المعنى الذي يتخفى وراءه أو بعيدا عنه...».