الذين تجمعوا في ساحة الإرادة وخطبوا وهتفوا ضد حكومة الشيخ ناصر المحمد وأدانوا الإيداعات المليونية لحسابات بعض النواب أو "رشوتهم" من مصدر "غير مجهول"، هم الذين فازوا بالانتخابات أو على الأقل نجح الكثير منهم من دون تسمية. أما نواب العمل الوطني، فقد كانوا "متخاذلين" في مواقفهم من الحكومة السابقة، ولم يكونوا حاسمين في إدانتها، وتم عقابهم من الشعب وحرموا من كراسي النيابة! مثل هذا التفسير أو التصور يتبناه الكثيرون، وفيه بعض الصدق وليس كل الصدق، فمثل هذا الفكر يختزل المواقف الوطنية في تجمعات ساحة الإرادة وينفي ضمناً كل المواقف الوطنية الأخرى في الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها.  القول بوطنية عدد من رموز ساحة الإرادة مثل مسلم البراك وأحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري مسألة لا يختلف فيها الكثيرون، لكن إطلاق وتعميم مثل هذه الرؤية لا يمكن قبوله، فلا ينتقص من وطنية صالح الملا أو أسيل العوضي على سبيل المثال ان لم يتواجدا في اعتصامات ساحة الإرادة في كل الأحوال، ولا تضفي تجمعات الساحة الوطنية على غيرهم، فما أكثر أمراء المزايدات الشعبية الذين كانوا في تجمعات ساحة الإرادة، وما أكثر الراغبين في التألق السياسي وتمهيد الطريق للمجلس أيضا ممن كانوا في تجمعات الإرادة، بينما عمل نواب العمل الوطني بصمت في كشف أصل وحقيقة الإيداعات المليونية، واقترحوا تشكيل لجنة للتحقيق فيها، وكان يمكن (مجرد احتمال) أن ينتهي عمل اللجنة بالكشف عن "المصدر المجهول" لتلك الإيداعات، وعندها يمكن تبرئة أو إدانة أيٍّ من المشتبه فيهم، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن. لم تكن "القضية الوطنية" هي معيار النجاح أو السقوط في الانتخابات، بل كانت وستظل "الشعبوية" هي المعيار الفاصل في نتائج المعارك الانتخابية، وبمثل ذلك الوعي القاصر وصل إلى المجلس نواب لا يمكن وصفهم بغير كونهم نواب النكاية، بمعنى أنه تم انتخابهم من باب "ليس حباً في علي بل كرهاً في معاوية"، فنجح بعض من هم أبعد الناس عن الوطنيات والحرص على المال العام، بينما لم يوفق المخلصون والأمناء.  انتهت الانتخابات بفرز عنصري وطائفي حاد، وإن لم تكن جديدة على المجتمع الكويتي هيمنة الروح العنصرية والطائفية، إلا أن هذه المرة وبفعل الظروف المحيطة بالدولة وغياب الرؤية التاريخي عند أصحاب القرار، مع ما صاحبه من نزق بعض الطامحين في الحكم من أبناء الأسرة الحاكمة أصبح الاستقطاب العنصري (حضراً وأبناء قبائل) والطائفي (شيعة وسنة) من سمات المجتمع الكويتي اليوم، وهنا الخطر الكبير الذي يهدد وجود الدولة. فلننتبه ولنقل إننا لسنا بحاجة إلى غزو صدامي آخر كي نشعر بوحدة الهوية الوطنية.
Ad