ما يحدث في مصر ينظر إليه العالم العربي بالكثير من الترقب، لما لمصر من تأثير بالغ على جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، والجانب الأخير هو ما يهمنا هنا ويثير اهتماننا، وسنترك الجوانب الأخرى للمهتمين بها. الحركات الإسلامية تكسب حالياً من التغيير الذي طرأ على الساحة السياسية في مصر، وتتقدم في صناديق الاقتراع مقابل تراجع ملحوظ للحركة الليبرالية. والمراقب السياسي ينظر إلى التجارب المحيطة لمقارنة التجربة المصرية بها. والتجربتان الأكثر مشابهة لهذه الحالة هما الإيرانية والتركية. وفي مصر تحديداً تبتعد ملامح التجربة الإيرانية التي استمرت لسبب مهم وهو الحالة النفطية لإيران وتقترب التجربة التركية أكثر.

Ad

في مقالين منفصلين للكاتبين توماس فريدمان ونيكولاس كريستوف يحلل الكاتبان الوضع المصري بعد ثورة يناير، فيرى الأول أن الجانب الاقتصادي سيكون عائقاً أمام التيار الديني لتطبيق أجندته الخاصة، وأن تمكنه من الفوز في الوقت الحالي هو لاقترابه من العسكر الذي يرى فيهم الناس البسطاء صمام الأمان والاستقرار، ويشير الكاتب إلى نسبة الأمية في مصر التي تتجاوز ثلث الشعب، أما كريستوف فينقل مباشرة من القاهرة بعض آراء الإخوان المسلمين الذين التقى بهم وأكدوا له أن وضع مصر الاقتصادي لا يسمح لهم بمحاربة مصادر الدخل الذي تحتل السياحة والاستثمارات الجزء الأكبر منه.

الجانب الذي نرى أن الحركة الإسلامية ستعمل على الاقتصاص منه ولو ببطء هو الجانب الثقافي، وتوقعنا هذا يعتمد على أدبيات الحركة الإسلامية وطرحها المناوئ للحريات الإبداعية وخلافها الدائم، وأحياناً حروبها، مع حرية البحث والإبداع. فالجانب الثقافي لا يشكل هاجساً اقتصادياً أو استثمارياً وهو صراع داخلي بالدرجة الأولى بين المثقف ورجل الدين سيتغلب فيه صاحب السلطة دون شك.

مصر ثقافياً ليست بلدة صغيرة من بلداتنا العربية وإنما هي قلب الحركة الإبداعية، وتشكل القاهرة مخزوننا الثقافي كتابة وفناً وسينما، واختلال هذه الريادة هو ردة كبرى للحركة الثقافية العربية التي قد تؤدي الى هجرة كبيرة لرموز هذه الحركة تحت ضغط السياسة الجديدة. والذي يلومنا في هواجسنا هذه نستطيع تذكيره بفرج فودة وحامد أبوزيد وسكين في رقبة شيخ الروائيين نجيب محفوظ، ويومها لم تكن السلطة بيد حركة الإسلاميين.

الحركات الإسلامية لها رموز في السياسة والاقتصاد ورجال التكنوقراط، ولكنها منذ نشأتها افتقدت رموز الأدب والسينما والفن، وحاولت دائماً أن تعترض الحراك الثقافي مستخدمة مفهومها الخاص ورؤيتها الذاتية في الطرح الإبداعي. وإذا أرادت الحركات الإسلامية اتباع النهج التركي وتقديم أطروحاتها الاقتصادية والسياسية في الجولة الأولى التي كسبتها بالتأكيد فعليها أن تمارس ذات النهج حين يتعلق الأمر بالمشروع الثقافي. والمشروع الثقافي هنا هو كل ما يتعلق بالعمل الإبداعي للإنسان.

ومرة أخرى نذكر الحركة الإسلامية بأنها جاءت للسلطة باختيار الشعب، وعليها أن تؤمن بأن الشعب يمتلك الحق في الحكم على أدائها، وبإمكانه أن يقصيها كما أدناها. نقول ذلك لأن مجموعة من رموزها كانت ترى في الديمقراطية خروجاً على نهجها الديني حتى أن أحد هذه الرموز كان يتهم الديمقراطية بأنها سبب الشذوذ.

قلقنا على مصر لا يعني عدم إيماننا بقدرة شبابها على إعادة كل شيء إلى المربع الأول إذا لزم الأمر، ولكنه أيضاً له مبرراته.