يبدو أن الرئيس عباس كان قد حزم الأمر بالتوجه بطلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة دون الالتفاف إلى أي تهديدات، أو يمكننا القول إنه قرر المجازفة، فليس هناك خسارة أكثر مما خسر طوال سنوات التفاوض، وكذلك ليس عن شجاعة كانت تقوده وإنما شعر بأن كل الخيارات خلال السنوات الماضية قد استنفدت.
ولا نريد أن نعرج على تفاصيل العذابات الفلسطينية التي كانت ومازالت تصطدم بالتعنت الإسرائيلي في التجاوب مع ضرورة قيام الدولة الفلسطينة بشكلها الضعيف؛ ومساحتها الصغيرة التي لا تحقق كل ما يصبو إليه الفلسطينيون، ولكنهم رضوا والعرب معهم بالاعتراف بالدولة الصهيونية على أن تقوم الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران /يونيو1967 بدعم من المبادرة العربية وخارطة الطريق؛ مقابل السلام الدائم، ووضع حد للصراع في المنطقة مع أن إسرائيل هي الأقوى من كل الدول العربية مجتمعة ومازالت. إلا أن الإرادة العربية التي تجلت في الثورات وفي الربيع العربي خلقت عالما عربيا جديدا لا سلطة فيها لرموز العهد القديم الذين كانوا يشكلون الغطاء الكامل بخنوعهم لإسرائيل كي تتمدد وتتوسع في بناء المستوطنات التي هي أهم نقطة في تقويض السلام برمته، والقضاء على تحقيق الحلم في إقامة الدولة الفلسطينة.ولعل "أبومازن" كان واضحا جدا في خطابه في الأمم المتحدة وفي لقاءاته الصحافية في طريق عودته من الأمم المتحدة، حيث أجاب عن تصوراته للمشروع الأوروبي المطروح حين قال: إنه لن يوافق على أي مشروع لا يتضمن إيقافا كاملا لبناء المستوطنات، وكذلك لا يتضمن العودة إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو1967 والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية.فهل هذه المستحقات إعجازية التحقيق؟ أم أداة ضغط أراد بها أن يسد الطريق على استئناف المفاوضات برعاية الولايات المتحدة الأميركية التي تؤيد ما تصر عليه إسرائيل، وبذلك يسبب لهما الإحراج ويكشف موقفهما من المفاوضات و"عبثيتها"؟وعلى الجانب الآخر ظهر نتنياهو عبر شاشات التلفزيون مرددا أنه على استعداد للقاء أبو مازن الآن وفي أروقة الأمم المتحدة ليُظهر للعالم أن الفلسطينيين هم الذين يضعون العقبات في طريق استئناف المفاوضات، و" تعمد" ألا يذكر أنه هو نفسه من يشترط أن تكون الدولة العبرية (يهودية) الأمر الذي خلق مشكلة جديدة لم يطرحها أي من أسلافه خلال سنوات التفاوض، ولأنه متأكد من رفض هذا الطلب فقد أصر عليه وأحرج أصدقاءه الذين يدعمونه. ونتمنى ألا تصل الأمور إلى ما تسرب عن "حل السلطة" في نهاية المطاف لتعود إدارة الأراضي المحتلة إلى إسرائيل كي تتحمل مسؤولياتها التي تخلصت منها سنوات "أوسلو" وما تلاها من مفاوضات حول الحل النهائي، ولكن قد يحدث هذا وعندها سيقول الجميع كما يقول المثل الفلسطيني: "آخر العلاج... الكَي!".ولكن هل هذا ممكن؟لا نتصور ذلك بعد أن قطعت كل الأطراف شوطا في التركيز على القضية برمتها ولأن إسرائيل تريد دولتها "اليهودية"، ولكن بعد أن تكون قد فرضت شكلها على الأرض ببناء ما تستطيع بناؤه من مستوطنات لتقايض به أرضا بأرض بحجة الأمن وتصبح المسيطرة على كل المنافذ أرضا وجوا وبحرا، وستبقى تنادي وتطلب من السلطة أن تلتقيها على طاولة المفاوضات، وبدون شروط، وكذلك بدون نتائج!!لعل الأيام القادمة تحمل نتائج وردة فعل أكثر فاعلية ووضوحا على خطاب الرئيس عباس بعد أن أصبح الشريك المفاوض في موقف حرج، وكذلك الراعي لهذه المفاوضات "الولايات المتحدة" التي أخرجت نفسها بخطاب الرئيس أوباما من هذا الدور وأعطت الفرصة لأوروبا لتنوب عنها به.بعد الخطاب الذي ترك فيه الرئيس عباس فرصة أمام أي طرح جاد يحقق المطالب الفلسطينية يتوجب على السلطة أن تصم الآذان عن أي تكرار لنفس شروط التفاوض العقيمة، وأن تدير ظهرها لكل الوسطاء القديمين والمألوفة وجوههم، خاصة أن القيادة الفلسطينية قد خبرت معدنهم وتلونهم، وهو معدن صهيوني يدعم المحتل إن لم يكن يشجع عليه!* كندا
مقالات - اضافات
ما قبل ... وما بعد!!
01-10-2011