هل يكفي عمر واحد فقط في الحياة الدنيا؟!
هل يكفي عمر واحد فقط... لنجرّب ونختبر تجربتنا ونخطئ ثم نعيش تجربتنا مرة أخرى بلا أخطاء؟! هل يكفي عمر واحد لنعيش أكثر من قصة حب حتى نجد الحبيب المناسب؟! أن نشمّ كل الزهور لنتعرّف إلى الوردة التي سيسحرنا عبيرها مدى الحياة... أن نسافر كل الدروب لنكتشف أيها أكثر أمناً أن ننتظر في كل المحطات لنعرف أيها أكثر دفئاً أن نطرق كل أبواب الليل لنرى أي الأبواب أكثر ظلمة وأن نفتح كل نوافذ الصباح لنرى أي النوافذ أكثر نوراً أن نغوص في كل البحار لنكتشف أي هذه البحار أكثر لؤلؤاً ومرجاناً كل يكفي عمر واحد لفعل كل ذلك؟! هل يكفي مثل هذا لاختبار أصدقائنا؟! أو لاختبار ما نعتقد أننا نعرف؟! أو اختبار ما نؤمن به؟! أو لتربية أولادنا أكثر من مرة لنكتشف الطريقة المثلى لتربية كل واحد منهم؟! بل السؤال الأكثر قسوة: هل يكفي عمر واحد فقط لكل منا لاكتشاف ذاته ومعرفتها حق المعرفة؟! أعرف أشخاصاً قضوا أعمارهم دون أن يعرفوا أنفسهم جيداً! ودون أن يكتشفوا ما تخبئ أعماقهم... رحلوا قبل أن يتمكّنوا من نزع الستار الأخير عن جوهرهم الحقيقي! فكيف بعمر واحد يمكننا معرفة الآخرين؟! العمر ضيق جداً... لا يتسع أحياناً لنزهة مساء مع حبيب، ولا يكفي لانتظار صبحٍ حلمنا به طوال الليالي الماضية، ولا يكفي أحياناً للشفاء من جرح، قصير لدرجة أنه قد لا يكفي لتهجئة فرح... هل هذا منصف؟! نقلاً عن الصديق الشاعر خلف الخلف قرأت مقطاً لأحد الشعراء الشعبيين لا أعرف من هو، إلا أن المقطع مدهش... ويحمل أمنية للخروج من مأزق العمر هذا، يقول المقطع: ليت العمر عمرين مهوب واحد عُمرٍ أجرّب به وعمرٍ أعيشه! الله لو كان ذلك ممكناً... لو كان لنا "بروفة" عمر قبل العمر نجرّب ما نشاء، نَختبر ما نشاء، نُخطىء كما نشاء، نُسيء لأنفسنا كما نشاء، ثم نعيش عمرنا الآخر بمثالية! "بروفة" عمر فيها نُحِب الأحباب الخطأ.. نسلك الطرق الخطأ.. نضع أصابعنا في مواقد الجمر، نتعمّد ارتكاب الأخطاء بلا ندم، لو كان ذلك ممكناً.. لاختلف شكل الحياة.. ولتغيّرت نظرتنا إلى الأمور، وربما اختفت بعض المشاعر السلبية والسلوكيات كالخوف، والندم، والملامة، والأسى وغيرها من المشاعر الحارقة لقلوبنا. عمر نختبر فيه كل قيمنا ونصفيها، وعمر آخر نعيش فيه حياتنا على ضوء ما خلصنا إليه من العمر السابق! لكن الحقيقة غير ذلك تماماً.. الحقيقة أننا لا نملك سوى عمر واحد فقط.. عمر واحد... كل لحظة ضائعة فيه لا يمكن تعويضها.. وكل خطأ نرتكبه سندفع ثمنه باهظاً من رصيد العمر، لذا كان من الحكمة أن نستعير أعمار الآخرين "كبروفة" لأعمارنا لنتجنّب ما أمكن من الندم!
توابل
بروفة للعُمر!
05-01-2012