لا يمكن لمنصف مهما كانت درجة اختلافه مع المجلس العسكري إلا أن يتوجه له بالشكر على قراره وقف الإجراءات القضائية ضد المدونين والناشطين السياسيين والتنازل عن القضايا التي رفعتها النيابة العسكرية ضدهم.
نعم نختلف مع المجلس العسكري؛ نعم للمجلس أخطاؤه الكثيرة؛ نعم لم يكن يحق له منذ البداية رفع القضايا واتهام النشطاء وتقديمهم للقضاء العسكري، كل ذلك صحيح، ولكن في كل الأحوال فقرار المجلس التنازل عن القضايا يستحق– كما قلنا له سابقا أخطأت- أن نقول له الآن أحسنت.إن الأخطاء التي وقع فيها المجلس العسكري منذ 11 فبراير- بعيدا عن خطئه يوم الأربعاء 2/2 في موقعة الجمل والتي مازلت أراه مسؤولا عنها بدرجة كبيرة- يمكن إرجاعها إلى سببين رئيسين: الأول: أنه حاول تقليد «الغراب» فالغراب عندما أعجبته مشية الحمامة أراد أن يقلدها، ولم يكن مهيأ لذلك ففشل في تقليدها، ولم ينجح في العودة إلى مشيته الأولى، فضاع بين المشيتين، وأصبح مثلا للحيرة والتخبط. تماما كالمجلس العسكري الذي اعتقد أنه حاكم لمصر فأراد أن يمارس السياسة، فتنازل عن تقاليده ونشأته العسكرية الصارمة، وحاول لكنه فشل لأنه لا يجيدها، وعندما أراد أن يعود لأوامره ودكتاتوريته العسكرية مرة أخرى لم يستطع فتاه بين الاثنتين.لقد اعتقد المجلس العسكري منذ 11/2 أنه حاكم لمصر، والحقيقة أنه حامٍ لها ولثورتها، ولا يحق له حكمها، فالشعب الذي ثار ضد الظلم والفساد والطغيان، واقتلع نظاما فاشيا ورئيسا غاشما لم يطلب ولم يوافق ولم يختر المجلس العسكري حاكما- كي لا ننسى كان نزول الجيش وتولي المجلس للحكم بقرار من الرئيس المخلوع- ولكن كان هناك اتفاق ضمني بين الشعب والجيش أن يحمي الجيش الثورة لا أن يحكمها، ولكن المجلس العسكري بدأ يمارس الحكم ويعيش زهوته، ووقع في حيرة: هل يمارس الحكم بالأسلوب العسكري الذي اعتاده طوال حياته، ولكن الشعب يرفضه؟ أو بالأسلوب السياسي الذي يقبله الشعب ولكن المجلس لا يجيده؟فتاه وتخبط في القرارات، وكان الأولى به أن يترك الحكم فعليا وفورا إلى السلطة التنفيذية، فهي الأجدر به والأكثر خبرة سياسية وقبولا شعبيا، ولا توجد مشكلة أن يكون رئيس الوزراء– مثلا- هو الحاكم الانتقالي لمصر خلال هذه الفترة، ويظل الجيش في موقعه العالي والغالي والمرموق والمحفوظة كرامته حاميا لمصر وثورتها.الخطأ الثاني للمجلس هو خضوعه للضغوط الإعلامية، فنظرا لقلة الخبرة السياسية وعدم التعود على مواجهة الضغوط والاختلافات السياسية، ومحاولة من المجلس للبحث عن حل يرضي جميع الأطراف، أصبح فريسة لأي ضغط إعلامي وغير قادر على الصمود أمامه، ويكفي مثالا قانون الانتخابات وكثرة التغييرات والتبديلات في بنوده، فما إن يصدر المجلس قانونا يعترض عليه خطباء «التوك شو» و»حكائي» الفضائيات حتى يسارع هو نفسه إلى تغييره.كلمة أخيرة في أذن المجلس العسكري: احرص على موقعك العالي بعيدا عن الاختلافات والأهواء السياسية، واحرص على واجبك الأمني وشرفك العسكري في حماية مصر وثورتها، واترك السياسة– الآن وليس غدا- ولا تنتظر انتخابات برلمانية أو رئاسية، فمكانتك وحياديتك وحب الشعب كله لأفراد القوات المسلحة وجيش مصر العظيم أغلى مكانة وأسمى منزلة من أي حكم أو منصب.ولا تقل فات الوقت، فأن تفعل الصواب اليوم خير من أن تفعله غدا، وأن تكون العلاقة مع الشعب علاقة حب أفضل من أن تكون علاقة خوف، فالحب أقوى وأمتن وأغلى.***ما زال البعض يعيش في أوهامه منذ خلع الرئيس، فتارة يتحدث عن جمهورية ميدان التحرير وأخرى عن عودة مصر أكثر من 40 سنة للوراء وأحداث النكسة، ومع دعاؤنا للجميع بالشفاء فإننا لا نملك إلا ترديد الحكمة العربية:«قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم»***كل عام وأنتم بخير، وأستأذن القارئ في إجازة بمناسبة العيد– قد تطول قليلا- أقضيها في ربوع مصرنا الحبيبة.
مقالات
المجلس العسكري...كلمة أخيرة
26-08-2011