ما قل ودل: في اختيار فرعون مصر (1)

نشر في 21-08-2011
آخر تحديث 21-08-2011 | 22:01
No Image Caption
 المستشار شفيق إمام أزمة النظام الجمهوري

في مقال نشر لي في صحيفة "القبس" في عددها الصادر في 25 يونيو سنة 2000 تحت عنوان "أزمة النظام الجمهوري في ثوابته الأربعة: الانتخابات... المساءلة... المدة... التوارث"، قلت في الثابت الأول: الانتخاب.

الاستغناء بدلاً من الانتخاب

ما هو معروف من أن نظام الحكم الجمهوري يقوم على أساس اختيار من يتولى رئاسة الدولة اختياراً حراً للجماهير عن طريق الانتخاب، ومن هنا جاءت تسميته بالنظام الجمهوري، نسبة إلى الجماهير التي اختارت رئيس الدولة، ولهذا فإن هذا النظام قد تعرض لأولى أزماته، عندما تحول نظام انتخاب الرئيس إلى استفتاء على مرشح واحد للرئاسة بلا منافس، وقد فرضت هذا النظام نصوص الدساتير والتعديلات الدستورية التي طرأت عليها، وواقع شعوبنا في غياب الرجل الثاني وفي غياب الرأي الآخر، فأصبح الانتخاب استفتاءً على رجل واحد يحصل في كل مرة يعاد انتخابه فيها على نسبة من الأصوات تصل إلى الإجماع، حيث يحصل الرئيس المرشح في هذا الاستفتاء على النسب المئوية المعروفة بأربع تسعات في ظل نظم الحكم الشمولية التي تسود أغلب بلدان العالم الثالث، وهو في الأغلب من يرشحه الحزب الحاكم، سواء كان حزباً واحداً بحكم الدستور، أو بحكم الواقع لقيام أحزاب هامشية، لا تستطيع مع الأغلبية البرلمانية الكاسحة التي يحتلها الحزب الحاكم في البرلمان، أن تقدم مرشحاً آخر.

التجديد لفترة أو فترتين

ومن المعلوم، وهذا ما قلته في المقال السالف الذكر أن انتخاب رؤساء الجمهوريات يكون لمدة محددة يعود بعدها الأمر إلى الشعب لإعادة انتخابه أو لانتخاب من يخلفه، إلا أن روح النظام الجمهوري تفرض ما تنص عليه كثير من الدساتير من تقييد إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مرات محددة، فينص دستور الولايات المتحدة الأميركية مثلاً على عدم جواز انتخاب الرئيس إلا لفترتين متتاليتين، وينص دستور لبنان على عدم جواز انتخاب الرئيس مرة ثانية إلا بعد انقضاء ست سنوات على انتهاء مدة رئاسته السابقة، وكان دستور مصر قبل تعديله ينص على عدم جواز تجديد ولاية رئيس الجمهورية أكثر من مرتين متتاليتين، كما كان دستور تونس قبل تعديله ينص على عدم جواز انتخاب رئيس الجمهورية أكثر من ثلاث مرات متتالية.

رئيس مدى الحياة

إلا أن بلدان العالم الثالث قدمت نموذجاً فريداًً للنظام الجمهوري، خرج على ثوابت هذا النظام، بحيث أصبح رؤساء الجمهورية تمتد مدد رئاستهم إلى ما لا نهاية، إلا بطبيعة الحال نهاية العمر، وكانت بعض الدول تحول دساتيرها بين رؤسائها وهذا الحكم المديد فعدلت دساتيرها لتقرر حق البقاء مدى الحياة لرؤسائها، فقرر دستور يوغسلافيا عام 1974 أن الرئيس تيتو رئيساً لمدى الحياة، كما عدلت الجمعية الوطنية في تونس المادة 40 من دستور تونس، لتقرر أن انتخاب الرئيس الحبيب بورقيبة لمدى الحياة، وكان قد تولى الحكم عقب استقلال تونس في عام 1957، إلا أن عجزه الصحي عن أداء مهام منصبه حال دون استمتاعه بهذا التعديل الدستوري إلى نهاية عمره كما أراد، وكما أرادت له الجمعية الوطنية لبلاده، وعندما أوشكت مدة رئاسة الرئيس الراحل أنور السادات الثانية على الانتهاء أقر مجلس الشعب المصري تعديل دستور 1971، وهو التعديل الذي جرى الاستفتاء عليه في 22 مايو 1980 ليتيح لرئيس الجمهورية ترشيح نفسه لمدد أخرى إلى ما لا نهاية إلا نهاية عمره، التي كانت وشيكة عند إجراء التعديل الدستوري، فلم يمهله العمر ليرشح نفسه لمدة رئاسة أخرى بعد استنفاده المدتين اللتين كان الدستور لا يسمح بغيرهما قبل تعديله، إذ تم اغتياله في السادس من أكتوبر سنة 1980.

الانتخاب بدلاً من الاستفتاء

وكان باكورة ما أطلق عليه النظام السابق في مصر إصلاحاً سياسياً، المبادرة التي أطلقها الرئيس السابق حسني مبارك في إحدى خطبه في غضون شهر فبراير 2005، بتعديل الدستور، وهو التعديل الذي جرى للمادتين 76 و77، والذي جرى الاستفتاء عليه في مايو 2005 ليصبح اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب وليس بالاستفتاء.

ولكن أحداً لم يصدق، أن يكون لكائن من كان أن يرشح نفسه رئيساً لمصر، أمام الفرعون الذي يمسك بقبضته الحديدية المعززة بالأمن المركزي وأمن الدولة ومخابراته العامة والعسكرية، وقانون الطوارئ، وبرلمان هش ضعيف، هو أحد أدواته في سن قوانين ظالمة وباطلة لا تعبر عن رأي أو إرادة الشعب، إنما تعبر عن إرادة الفرعون وحده، وإعلام منحرف يسوّق للنظام ويعبر عنه.

لذلك فقد تضافرت جهود المستشارين والخبراء الدستوريين، على إفراغ الإصلاح السياسي من مضمونه، والتعديل الدستوري من محتواه، بحيث تكون المنافسة على كرسي الفرعون، التي تمخض عنها التعديل الدستوري سنة 2005، شكلاً بغير مضمون، عندما اقترن تعديل المادة (76) بتعديل المادة (77) من الدستور، والتي ألغت الإشراف القضائي على الانتخابات، حتى لا يقف هذا الإشراف حائلاً بين فرعون مصر وبين حصوله على الأربع تسعات في المئة من أصوات الناخبين، أمام من يجرؤ على ترشيح نفسه للرئاسة.

وسوّق النظام بعض الأحزاب الهشة لترشيح بعض قياداتها، وفي لقاء تلفزيوني بأحدهم سألته المذيعة وقد رشحت نفسك لرئاسة الجمهورية ضد الرئيس محمد حسني مبارك، لمن سوف تعطي صوتك، أجاب بعفوية شديدة "للرئيس حسني مبارك بطبيعة الحال"

وللحديث بقية حول مرشح آخر صدق الحكاية فقضى خمس سنوات في السجن لأنه حصل على نصف مليون صوت في انتخابات 2005 في حين لم يحصل مبارك إلا على مئتي ألف صوت، وبطبيعة الحال فإن زبانية النظام قد سودوا البطاقات الانتخابية لمليوني ناخب، صوتوا لمصلحة الرئيس مبارك.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top