وجهة نظر:من أجل عيون أعضاء مجلس الأمة... يرخص كل شيء... حتى التعليم
أفاد وزير التربية والتعليم العالي الأخ الفاضل أحمد المليفي في تصريح صحافي بأن اجتماع مجلس الجامعة، الذي حضره شخصياً أقر زيادة عدد الطلبة المستجدين للعام الدراسي المقبل 2011 - 2012 إلى 8000 طالب وطالبة، بدلاً من 6850 طالباً وطالبة، وهو العدد الذي كان المجلس قد حدده في وقت سابق بزيادة 1150 طالباً وطالبة، وبنسبة قدرها حوالي 17%. ربما اعتقد معالي الوزير أن هذه الزيادة تعد ضئيلة لكن سترفع عنه وعن الجامعة الحرج السياسي والمناوشات وحالة التأجيج مع أعضاء مجلس الأمة. وهو محق بذلك سياسياً واجتماعيا، وأنا ليس لدي أدنى شك في حسن نية معالي الوزير، خصوصاً في ظل زيادة نسبة النجاح في الثانوية العامة هذا العام. لكن هذا القرار سياسي بالدرجة الأولى ولم يأخذ بعين الاعتبار الأثر الذي سوف يتركه على مستوى التعليم الجامعي ومستوى الخريجين، وكذلك على الاقتصاد وهذا شيء مؤسف.إن الأثار السلبية المترتبه على هذا القرار جسيمة وستؤثر على مستقبل الكويت الاقتصادي والاجتماعي في المدى المتوسط و البعيد، هذا إلى جانب مخالفته للسياسات العامة التي تخص التعليم وتنمية الموارد البشرية والواردة في الخطة الخمسية والتي منها: "تطوير مخرجات التعليم الجامعي وتحسن مستواه بما يؤمِّن الدور التنافسي ويدعم قدرات مواجهة تحديات المستقبل وزيادة فرص العمل لقوة العمل الوطنية في القطاع الخاص، وتخفيضها في القطاع العام، وكذلك تحديد نسب القبول بما يتوافق مع حاجات سوق العمل" (وليس إرضاء أعضاء مجلس الأمة).
ويمكن قياس ما لهذا القرار من آثار سلبية على كفاءة وجودة التعليم الجامعي عن طريق حساب أثر ذلك على نسبة عدد الطلبة لكل أستاذ جامعي (على مختلف المستويات). وهذه النسبة تُعد أحد أهم المعايير لقياس المستوى الأكاديمي للجامعات. فحسب الأرقام المنشورة فإن هذه النسبة تبلغ حاليا 20 طالباً لكل أستاذ في جامعة الكويت، وهي نسبة لا بأس بها بالرغم من ارتفاعها ومقاربة لكثير من الجامعات ذات المستوى الجيد، حيث تبلغ هذه النسبة أقل من 10 في الجامعات العريقة مثل هارفرد وستانفورد وإم آي تي، ومعظم الجامعات البحثية، وتزيد إلى حوالي 15 في معظم الجامعات الخاصة ولا تتجاوز 20 في الجامعات المتميزة العامة؛ مثل جامعات الدول أو الولايات والتي تتسم عادة بالأعداد الكبيرة من الدارسين للحصول على البكالوريوس.ولكي تحافظ جامعة الكويت على نفس مستوى 20 طالباً لكل أستاذ، بناء على قرار القبول الجديد، فعليها تعيين 57 أستاذاً جامعياً جديداً، بالإضافة إلى تعيين 207 آخرين لملء الوظائف الشاغرة حسب الأرقام الواردة في الخطة التشغيلية للسنة الحالية للجامعة. وإذا علمنا بأنه تم اعتماد تعيين 36 أستاذاً فقط فمتى سيتم جذب وتعيين 228 الباقين، وماذا سيكون مستواهم العلمي والأكاديمي؟ أضف إلى ذلك تعيين من يحتاجونه من خدمات مساندة من مساعدين وفنيين إلخ، بالإضافة إلى البنى التحتية من فصول وأجهزة ومختبرات. فيا ترى من أين سيأتون بهم في فترة زمنية قصيرة يتخللها شهر الصيام؟ ولهذا فإن النسبة (عدد الطلبة لكل أستاذ جامعي) ستزيد، وبالتالى تنخفض جودة التعليم الجامعي.وإذا نظرنا بمنظور أبعد وهو منظور التوظيف (وهذا لا يخص الجامعة فقط بل الدولة ككل) فإن عدد الطلبة في الجامعة يبلغ حوالي 27 ألف طالب هذا العام وبافتراض أن هناك حوالي 5000 خريج هذا العام من جامعة الكويت فإن عدد الطلبة سيبلغ 30 ألف طالب وطالبة العام المقبل. وهولاء سوف يبدأون بالبحث عن عمل ووظيفة مناسبة تباعاً مع قدوم الصيف المقبل. بينما سيدخل الثمانية آلاف المستجدون (في العام الدراسي 2011 - 2012) في البحث عن وظيفة مناسبة بعد اربع سنوات. أي سيدخل سوق العمل حوالي 30 ألف خريج من جامعة الكويت خلال الأربع سنوات المقبلة. وتشيير دراسة "مواءمة مخرجات جامعة الكويت مع احتاجات سوق العمل الكويتي 2010" والتي قام بإعدادها مكتب نائب مدير الجامعة للتخطيط إلى أن 91% من الجامعيين يجدون فرص عمل، حيث يتم تعيين 81% في السنه الأولى بعد التخرج بالنسبة لمعظمهم، مع اختلاف المدة حسب التخصص. وفي ظل الظروف الحالية والسياسات الاقتصادية "الخانقة " لقيام القطاع الخاص بالدور المطلوب منه، فإن سوق العمل بالنسبة للخريجين في القطاع الخاص سيزيد سوءاً، وبالتالي سيكون القطاع العام هو مكان توظيف معظم الـ8000 طالب وطالبة بعد أربع سنوات، وغيرهم من خريجي الجامعات الأخرى. ومع تكدس الموظفين سيزيد مستوى البيروقراطية والروتين الحكومي وربما قمنا بمنافسة دول كنا نضرب بهم المثل في البيروقرطية وسوء الإدارة الحكومية، وحتما ستزيد فرص الفساد ونموه ويصبح الوضع أكثر سوءاً مما هو عليه الآن.إن التكلفة الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذا القرار السياسي بطبعه, باهظة مقارنة بالمنفعة المترتبة عليه، والحلول المرقعة التي يتم طرحها ما هي إلا معالجة للخطأ بالخطأ، وما نشهده الآن ليس إلا نتيجة حتمية لتراكمات السياسات التنموية الخاطئة والتي فضلت وحرصت على "تنمية الحجر قبل البشر" وغرست مبادئ الاقتصاد الريعي وقوضت دور القطاع الخاص.لقد خطت جامعة الكويت خطوات جادة نحو التميز ويعمل فيها خيرة أبناء الكويت مع زملائهم من الجنسيات الأخرى وهم محل فخر و اعتزاز، فلا تضعوا العصا في عجلة تقدمها ولنترك قرارات الجامعة لأهلها.إن الاستماع فن, فهل من مستمع؟عبدالمجيد الشطي12يوليو2011