2011 عام العيد!
أي شيء في الحياة أهم من الحياة ذاتها؟ وأي شيء أغلى على الإنسان من دمه وروحه؟ وحين يسترخص الإنسان حياته ودمه وروحه، فهذا يعني أن شيئاً أغلى وأكبر منهما حرّكه كي يضحي بهما، وأن وضعاً راهناً لا يمكن احتماله، جعله يدوس على لحظة حاضرٍ عابرة، لشراء لحظة مستقبلٍ مؤمل. لذا فإن على العالم أجمع أن يدوّن في ذاكرته بطولات الشعوب العربية الراهنة وعشقها للحرية. وأن يقف إجلالاً واحتراماً لكل امرأة ورجل عربي، شيخاً كان أو طفلاً، خرج عاري الصدر يصدح بصوته الهادر: ارحل، ويكزّ على أسنان غضبه مردداً: "الشعب يريد إسقاط النظام". لقد فاجأ وصدم الحراك الشعبي السلمي العربي العفوي، وبقياداته الشبابية، الكثيرين داخل وخارج الوطن العربي. وإذا كان قد نزل كالصاعقة على أنظمة الحكم الدكتاتورية وهزَّ أركانها، وما لبثت أن تهاوت تحت مطارق ضرباته. فإنه أربك مراكز ومؤسسات ودوائر البحث والدراسات الاستراتيجية، العربية والعالمية، وجعلها تقف عاجزة تجاه تفسير ظاهرة الحراك الشعبي العربي بإرادته ووحدة هدفه.
يتصف الحراك الشعبي السلمي العفوي العربي بصفات يمكن تلخيصها في ما يلي: - انطلقت الثورات العربية في 15 يناير عام 2011، وتمثلت شرارتها الأولى بحادثة حرق بائع الخضار الشاب الجامعي التونسي محمد البوعزيزي نفسه، على إثر صفعه من قبل شرطية. فأي صفعة مدوّية تلك التي غيّرت وجه وأنظمة حكم أقطار الوطن العربي؟! - انبعثت ثورة مصر العظيمة بشكل سلمي شعبي وعفوي، بقيادة شباب يتقنون استخدام شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، واستطاعت في غضون 18 يوماً، بشكل لم يسبق له مثيل، إزاحة أقوى نظام عربي، وتغيير خارطة الحكم في الشرق الأوسط بأكمله. - سيحفظ التاريخ للجيش المصري وقفته العظيمة، في حماية أبناء وطنه، ولولا هذا الموقف لما قُدِّر لثورة أبناء مصر تحقيق ما حققته، وربما سالت دماء لوّنت النيل باحمرارها القاني. - انتفاضة تونس وتالياً انتفاضة وثورة مصر وليبيا واليمن وسورية، تخلقت في ميادين البلد وساحاته، على أيدي أبناء الشعب البسطاء، بعيداً عن أي حزب، وبعيداً عن أي شعار معلب، ودون أي تنظير بائس. - دخلت مقولة "الشعب يريد إسقاط النظام" قواميس الثورات العالمية، بوصفها التعويذة التي ظل أبناء مصر، في كل محافظاتها، يرددونها إلى أن تحقق لهم ما أرادوا. - بات واضحاً لدى كل من يدوّن التاريخ العربي، سواء كان عربياً أو أجنبياً، أن الشعوب العربية شعوب حية تعشق الحرية، وأنها مهما عانت بطشَ الأنظمة الدكتاتورية الغاشمة، فإن لصبرها حد فاصل، وأن غضبها زلزال مدمر. - برهنت الثورات العربية أن الشعوب العربية ما زالت تتصل في ما بينها بحبل سري، وأن كل ما جرى لعزل بعضها عن بعض، وتشتيت أبنائها كان أعجز وأقل بكثير من أن يبعدهم عن همهم المشترك، وتأثر وتأثير بعضهم بحال بعضهم الآخر. - عام 2011 هو عام الانتفاضات والثورات العربية، التي عمّت بغضبها وإرادتها الطامحة للتغيير جميع الأقطار العربية دون أي استثناء. - صور كثيرة ستحفظها ذاكرة الأدب والفن والإعلام والصحافة، لتضحيات أبناء الشعوب العربية، لأنها شعوب حية الهمة بإرادة حديدية لا تلين. وأن إرادتها أقوى بما لا يُقاس من بطش الأنظمة الدكتاتورية. وأن المواجهة بين دكتاتور طاغ، وبين مواطن بسيط، ستكون في النهاية لمصلحة المواطن البسيط، فلم يثبت تاريخ البشرية قدرة حاكم مستبد على هزيمة شعب بأكمله. عقود وعقود ونحن نردد بيت المتنبي: عيدٌ بأية حال عُدت يا عيد، لكن عيد عام 2011 كُتِب له أن يكون عيداً مختلفاً لأبناء الوطن العربي.