مع صعود حركات التحرر في العالم وبالذات في حقبة الخمسينيات والستينيات، كان من أوائل ضحاياها سقوط الأسرتين الحاكمتين في مصر والعراق (1952 و1958 على التوالي) تبعه سقوط الحكم الإمامي في اليمن كان ثوريو ذاك الزمان، في المجمل ضباط جيش انقلبوا على النظام، يقولون إن الأنظمة الوراثية باتت ساعاتها معدودة، وإن التغيير الجذري قادم، إلا أن ذلك لم يحدث، بل زاد عدد الأنظمة الوراثية كدول باستقلال دول الخليج وعززت المملكة العربية السعودية من قدراتها وإمكاناتها وتأثيرها الإقليمي، وكذلك فعلت المملكة المغربية والأردنية الهاشمية. وفي المقابل تراجع أداء الأنظمة الجمهورية، بالطبع دون الدخول هنا بالتفاصيل والأسباب، بل إن ما حدث في مصر بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر وتولي أنور السادات للحكم، كان انقلاباً على الثورة من داخلها. بدا أن هناك تفكيراً جديداً ونهجاً مغايراً للأنظمة الجمهورية آخذاً في التبلور.
شيئاً فشيئاً تحول نموذج الأسرة الحاكمة الوراثية إلى نموذج جذاب، فاستمرأ دكتاتوريو الأمة العربية تلك الفكرة وحولوها إلى واقع، فتم تحويل الأنظمة الجمهورية إلى أنظمة أسر حاكمة، كان ذلك ملحوظاً في تونس بن علي، وعراق صدام حسين، ومصر حسني مبارك، ويمن علي عبدالله صالح، وليبيا معمر القذافي، وسورية الأسد، فلم يتبق إلا التوريث.وقد كان لسورية قصب السبق في اقتحام تحويل الجمهوريات، الثورية، الاشتراكية، الرأسمالية، سمها ما شئت إلى دول "جمهوكية" أو ملكية جمهورية إن جاز التعبير. وهو قرار سوري استراتيجي كان قد تم اتخاذه حتى قبل ظهور الرئيس بشار الأسد على الساحة السياسية، فقد كان الأسد الأب يدشن ويجهز ابنه باسل للمهمة، وعندما تم تجهيزه كوريث قادم توفي فجأة بحادث سيارة لا "شبهة جنائية فيه"، فقد كان من محبي السيارات السريعة.كانت تلك الجرأة من النظام السوري بداية طريق التحول الاستراتيجي للدول العربية إلى أنظمة ملكية وراثية حتى لو كان الشكل الخارجي يبدو أنه حزب عربي اشتراكي أو هكذا يقال. فما أن توفي باسل وكان الأب حافظ في وضع صحي متردٍّ، ظلت فكرة إعادة بعث الأسرة الحاكمة السورية منطلقاً أساسياً، فجيء ببشار وتم تدريبه وتلقينه سياسياً، وحين توفي الأسد الأب تمت المناداة ببشار رئيساً وريثاً لمؤسس الأسرة الحاكمة. بالطبع كانت هناك عقبة بسيطة وهي أن بشار لم يبلغ السن القانونية، وحيث إنه لا عقبات قانونية أمام الأسرة الحاكمة، تم استدعاء مجلس الشعب وعدل الدستور بدقائق في وسط حالة من التصفيق والهيستيريا لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتأسيس أسرة حاكمة جديدة. كان مشهداً أشبه بكوميديا السوداء. كانت بقية الأسر الحاكمة تنتظر دورها للإعلان عن نفسها، وبالتالي كان تتويج الملك/ الرئيس الجديد موضوعاً يستحق المتابعة، فقد كان يمثل نموذجاً للآخرين. وهكذا جاءت تصريحات رامي مخلوف في سياقها الصحيح في بداية الحراك الشعبي السوري المعارض خاصة حين ركز على البعد العائلي للحكم وضرورة تماسك الأسرة في مثل هذه الظروف. ولذلك تقوم الأسرة الحاكمة بقمع كل من تسول له نفسه مزاحمة سلطتها، وحيث إن الأسرة الحاكمة السورية كانت هي الأجرأ في الإعلان عن تأسيسها فإنها من المتوقع أن تكون الأقسى في التعامل مع المعارضة، وعلى كل القوى الحية عربياً ودولياً مواجهتها حتى يتم إقصاء الأسرة الحاكمة عن الحكم.حتى الآن، ذهبت إلى غير رجعة ثلاث أسر حاكمة وتعاني ثلاث أسر "جمهوكية" أخرى من المعارضة الشعبية، بالطبع فإن الأسر الحاكمة التقليدية عليها أن تستوعب الدرس، وعليها أن تستبق الأحداث حتى لا تتحول إلى مجرد ذكريات وموضوعات لبرامج وثائقية.
أخر كلام
سقوط الأسر الحاكمة
10-08-2011