ما توقعاتك للمرحلة السياسية القادمة بعد رحيل الشيخ ناصر المحمد، وتولي الشيخ جابر المبارك رئاسة الوزراء؟
اعترضني هذا السؤال كثيرا خلال الفترة السابقة، بل لعله كان السؤال المفضل عند بعض الجهات الإعلامية، ولا ألوم أحدا لذلك، فالكل يرغب في معرفة شكل المستقبل، بعد مرورنا جميعا بتلك الفترة السياسية العسيرة، والتي كانت علامتها دائما وأبدا التدهور والانحدار.لكنني، وللأمانة، لا أظن أن أحدا يقدر على الإدلاء بتوقعات يمكن الاستناد إليها عن شكل المستقبل السياسي وفقا لمعطيات موضوعية، فالحركة السياسية عندنا، تشابه تماما حركة البورصة الكويتية، تتحرك مؤشراتها ومنحنياتها خارج المقاييس المالية والاقتصادية في الغالب، مدفوعة بأجندات وربما مزاجات صانعي السوق.هذه حركتنا السياسية، بلا أسس موضوعية، يصعب التكهن بما ستؤول إليه، ولذلك فرحيل الشيخ ناصر، بهذه الطريقة الانسحابية الخافتة، بالرغم من أن "العلامات" كانت تشير إلى أنه كان في الأفق جولات أخرى من الصراع "العنيد"، أقول إن رحيله بتلك الطريقة لم يكن متوقعا أبدا.لهذا فمن الصعب أيضا توقع شكل المرحلة القادمة!وهذا الأمر بحد ذاته هو أخطر عنصر من عناصر الواقع السياسي الكويتي، فلا شيء يسير وفق القواعد المفترضة ولا المنطق ولا الموضوعية، إنما صارت المسألة برمتها خاضعة للحسابات الفردية والنزعات المصالحية بل ردود الأفعال الشخصانية. غابت المؤسساتية وبشكل صارخ عما يجري على خشبة المسرح السياسي، وصارت المسألة أشبه بلعبة طفولية خرقاء وبلا قوانين!قمت بالأمس بعمل استبيان صغير نشرته في "تويتر" سألت من خلاله عن مشاعر الكويتيين تجاه الحكومة القادمة ورئيسها الجديد، من حيث التفاؤل والتشاؤم. والحق أن هذا أقصى ما يمكن السؤال عنه في هذا الواقع الملتبس، وكان مرادي أن أحصل على ملمح لمزاج الشارع نحو القادم، وكان الجميل أن ثلث العينة تقريبا أبدى تفاؤله، وثلث أبدى التحفظ والحياد، في حين أبدى الثلث الأخير تشاؤمه، وهذا الأمر أسعدني شخصيا، فسواء كان أغلب الناس متفائلون حقا، أو أنهم أبدوا التفاؤل تبركا ومللا من صراعات الفترة الماضية وتعطل أحوال البلاد والعباد، فإن هذا مؤشر مريح للنفس. وكم أتمنى أن يقابل "النظام" هذه الرغبة الشعبية بتقديم عمل صادق حقيقي يليق بالمرحلة الصعبة القادمة، ويواكب ما سيكون فيها من تحديات، على رأسها وجود تيار شعبي صعب لن يقبل بأنصاف الحلول والتخاذل والفساد، ولن يتردد في التوجه مجددا إلى ساحة الإرادة للتعبير عن رفضه! إن الناس بحاجة إلى ما يعيد لهم الثقة بقدرة هذا النظام على إدارة البلاد، وعلى رعاية مصالحهم، وعلى قيادة الكويت نحو مستقبل صعب محليا وإقليميا وعالميا، ولا مجال لما هو دون ذلك أبدا.من الجانب الآخر، فإن سوء المرحلة السابقة، تتحمل وزره أيضا السلطة التشريعية، لا النظام والحكومة فقط، وذلك لأن السلطة التشريعية حوت في داخلها نوابا من أسوأ النماذج التي قد تكون مرت في التاريخ السياسي الكويتي، ولا أدل على ذلك من فضيحة الرشاوى المليونية، التي ستظل وصمة عار في جبين الممارسة السياسية الكويتية إلى الأبد. لكن هنا يجب علينا أن نتوقف لنتذكر بأن وصول هؤلاء النواب كان بيدنا نحن الناخبين، وبالتالي فإننا نتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عما يجري، وكما أننا اليوم نطالب النظام ورئيس الحكومة والحكومة بتقديم العمل الجيد الذي يليق بمستوى طموحات المرحلة القادمة، فليس أقل من أن نقدم نحن في المقابل نوابا يليقون بهذه المرحلة، سواء تم حل البرلمان قريبا، أو استمر ليكمل مدته حتى الانتخابات القادمة. التصويت لمرشح ما ليس مجرد شرطة قلم على ورقة تلقى في صندوق، بل هي شهادة كبيرة، ومسؤولية جمة، ومشاركة حقيقية في صناعة واقعنا السياسي، وقيادته إما إلى الأعلى وإما الانحدار به إلى الأسفل، كما أثبتت التجربة المؤلمة. نعم، أدرك أن تأدية هذه المسؤولية ليست بالأمر الهين، وأن الناس لطالما خدعوا بأسماء ذات شهادات وألسنة وعدتهم بأن تضع الشمس والقمر في أيديهم، وإذا بها تغوص في مستنقع الفساد، ولهذا فإنني أطلب أن يكون للمرحلة القادمة عملا انتخابيا مختلفا نوعيا.على الشباب الذين نشطوا ونجحوا بشكل فائق في إدارة المرحلة السابقة، وتحملوا في سبيل ذلك الكثير من الألم، ألا يتوقفوا اليوم، بل أن يستمروا في قيادة المرحلة القادمة، حتى تجاوز الانتخابات وما بعدها. نريد عملا انتخابيا لمساندة الأكفاء من المرشحين للوصول، وتفويت الفرصة على أولئك القادمين لمصالحهم الشخصية ومنافعهم الذاتية، والذين سيكونون لقمة سائغة لغول الفساد بلا شك. ولا فائدة من هذا العمل بحد ذاته إن توقف عند ذاك، حتى إن نجح بإيصال الجيدين، فالنائب الفرد، مهما كان صالحا سيقع عرضة للضغط والضعف، وهو بحاجة لفرق عمل تظل معه وبجانبه، تذكره دوما بأنه ليس سوى ممثل للشعب ونابع من اختياره، ليس له أن يخرج عن مشورته وتوجيهه.الحديث في هذا الأمر يطول، ولعلي سأعود إليه مرات عديدة في الفترة القادمة، لكن خلاصة ما يجب أن نخرج به اليوم هو أن المرحلة القادمة مرحلة مختلفة بكل ما فيها، ويجب أن يواكبها عمل مختلف بكل ما فيه.
مقالات
المرحلة القادمة بيد من؟
04-12-2011