ليبيا بلد مختطف حتى سقوط باب العزيزية وهروب القذافي الذي كان يبني سراديبه تحت الأرض وكأنه يعلم أن حياته هي الثمن الأهم في ليبيا. ليبيا البلد الغني نفطا وبشرا كانت تحت قبضة رجل واحد لأربعة عقود استطاع خلالها أن يقدم صورة غبية وممجوجة للدكتاتور الأكثر تخلفا وجهلا في التاريخ والمدّعي الأكبر للفهم المثير للسخرية فهو مفسر القرآن في ليبيا وعميد الأدب والمفكر السياسي والاجتماعي حتى كاد البلد يخلو من صوت غير صوت القذافي. كان يسميه الغرب duce the الدوتشي تأسيا بزعيم الفاشية الايطالي موسوليني، وأبناء القذافي ليسوا بأفضل من أصحاب القمصان السوداء في عهد موسوليني الذين اعتمدوا العنف والبطش ضد خصومهم.

Ad

ليبيا بلد عربي تسكنه قبائل عربية كريمة اتصفت بالشجاعة والكرم لكن العقود الأربعة لحكم العقيد المجنون أبعدتها عن عربها وأضاعت فعلها الثقافي والفني فلم تكن على وفاق مع العالم العربي المحيط بها نتيجة للسياسة المريضة التى انتهجها الزعيم الأرعن ضد البلدان العربية وارتكاب حماقات ليس المجال هنا لذكرها. ولكن بالمحصلة ابتعد الشعب الليبي عن عربه بسبب تلك الحماقات.

لا أتذكر تاريخ معرض الكتاب في الكويت الذي شاركت فيه ليبيا بشكل رسمي بكتيبات صغيرة لمجموعة من المؤلفين وغلب على أغلفتها اللون الأخضر وكانت تمنح بالمجان لرواد المعرض ولكني أتذكر أن جميع الكتب التي حصلت عليها كانت تتحدث عن القذافي وفلسفة القذافي. بعد ذلك التاريخ البعيد لم تشترك ليبيا إن لم تخني الذاكرة حتى بشكل رسمي في معرض الكتاب العربي ولم نتعرف إلى دور النشر الليبية والإنتاج الليبي وربما الروائي الوحيد الذي برز في ليبيا هو إبراهيم الكوني المقيم في سويسرا ولم يكن نتاج دار نشر ليبية بالطبع.

ليس لليبيا القذافي أثر ثقافي رغم أن نسيجها الاجتماعي وثروتها الطبيعية لا تختلف عن البلدان العربية ومقارنة التطور في الحركة الثقافية والفنية والإعلامية في الخليج على سبيل المثال ومثيله في ليبيا يجعلنا ندرك أن البلد كان يعيش هدرا ماليا ونزيفا بشريا هائلا أضاع ثروات البلاد على حروب الجيش الأحمر وثوار نيكاراغوا وحرب غبية مع تشاد وغيرها الكثير وكأن العقيد المزركش أقنع نفسه واقتنع بأنه محرر الشعوب وقائد ثوراتها. والذي ينظر الى الحياة الليبية يصاب بالخيبة وهو يشاهد بلدا عربيا غنيا يعيش حالة مزرية أدت بمجاميع من شعبه الى الهجرة الى الغرب وتمكن الجهل بمن تبقى تحت سطوة الطاووس الليبي.

الثورة الذي ذهبت بالقذافي إلى حفرة، تذكرنا بحفرة صاحبه اللدود، من مهامها الأولى إعادة الإنسان الليبي إلى الحياة العربية ثقافيا واجتماعيا وقطع سبل عزلتها عن عالمها العربي والاستفادة من أخطاء ما بعد الثورات وعلى العالم العربي أن يمد يده لليبيا الجديدة ويساعدها في العودة إليه.

ها قد سقط الثالث وبقي الدور على آخرين فات الأوان أن يتعلموا الدرس وما من سبيل أمام شعوبهم الا التضحية لإسقاطهم. دفعت ليبيا دما وجراحا وجوعا منذ فبراير حتى اليوم لكنها لم تتراجع واختارت حياتها من أجواء الموت التي هيأها العقيد وزمرته. ذكرت في المقال السابق المهرج يوسف شاكير البوق القبيح للقذافي ليتني أعرف أين هو الآن.